وفارقتُ الحبيبَ بلا وداعٍ ... وودّعتُ البِلادَ بِلا سلامِ
يقول ليَ الطّبيبُ أكلتَ شيئًا ... وداؤك في شرابِك والطعامِ
وما في طبِّه أني جوادٌ ... أضرَّ بجسمِه طولُ الجَمام
تعوّد أن يغبِّر في السّرايا ... ويدخُل من قَتامٍ في قتامِ
فأُمسِكَ لا يُطالُ له فيرْعَى ... ولا هو في العَليقِ ولا اللّجامِ
فإنْ أمرَضْ فما مرِضَ اصطِباري ... وإن أُحْمَم فما حُم اعتِزامي
وإنْ أسلَمْ فما أبقى ولكنْ ... سلِمْتُ من الحِمام الى الحِمامِ
وهذه القصيدة كلّها مختارة؛ لا يعلمُ لأحدٍ في معناها مثلُه. والأبياتُ التي وصف فيها الحمى أفراد، وقد اخترع أكثر معانيها، وسهل في ألفاظها؛ فجاءت مطبوعةً مصنوعة. وهذا القسمُ من الشعر هو المطمِع المؤيس.
وقد أحسن عبد الصّمد بن المعذَّل في قصيدته الرائية التي وصف فيها الحمَّى، وقصر في الضادية وفي مقاطيع له في وصفها، وكأن أبا الطيب قصد تنكُّب معانيه فلم يُلِمّ بشيء منها؛ قال عبد الصّمد:
وبنْت المنيّةِ تنْتابُني ... هَدوًّا وتطرُقُني سفحْرَه
إذا وردَتْ لم يدَعْ وِرْدَها ... عن القلب حجبٌ ولا سُتْرَه
كأنّ له ضَرمًافي الحشى ... وفي كل عُضوٍ لها جمْرَه
إذا لم تَرُحْ أصلًا في العشيّ ... فأقصى مواعِدها بُكْره