ما قاله الثقلان في أولياء الرحمن
ما قاله الثقلان في أولياء الرحمن
خپرندوی
مبرة الآل والأصحاب
د ایډیشن شمېره
الرابعة
د چاپ کال
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
د خپرونکي ځای
الكويت
ژانرونه
مبرة الآل والأصحاب
سلسلة العلاقة الحميمة بين الآل والأصحاب (٣)
ما قاله الثقلان في أولياء الرحمن
شهادة القرآن وأهل البيت ﵈ في عدالة الصحابة ﵃
تأليف
عبد الله بن جوران الخضير
مراجعة وتنقيح
مركز البحوث والدراسات بالمبرة
1 / 1
فهرسة مكتبة الكويت الوطنية أثناء النشر
٣٩٩. ٩٢٢ الخضير، عبد الله بن جوران
ما قاله الثقلان في أولياء الرحمن /عبد الله بن جوران الخضير -ط ٤ - الكويت: مبرة الآل والأصحاب، ٢٠١١.
١٦٣ ص؛ ٢٤ سم - (سلسلة العلاقة الحميمة بين الآل والأصحاب؛ ٣)
ردمك: ٢ - ٧ - ٦٣٥/ ٩٩٩٩٠٦
١ - الثناء المتبادل بين الآل والأصحاب
٢ - آل البيت والصحابة.
٣ - الصحابة والتابعون - تراجم.
أ- العنوان.
ب- السلسلة.
رقم الإيداع: ٤٨٧/ ٢٠٠٦
1 / 2
حقوق الطبع محفوظة لمؤسسة التواصل بين المشرق والمغرب للنشر والتوزيع
إلا لمن أراد التوزيع الخيري بشرط عدم التصرف في المادة العلمية
الطبعة الرابعة
١٤٣٢ هـ / ٢٠١١ م
مبرة الآل والأصحاب
هاتف: ٢٢٥٦٠٢٠٣ - ٢٢٥٥٢٣٤٠ فاكس: ٢٢٥٦٠٣٤٦
ص. ب: ١٢٤٢١ الشامية الرمز البريدي ٧١٦٥٥ الكويت
E-mail: almabarrh@gmail.com
www.almabarrah.net
البريد الإلكتروني للمؤلف
Ramthan.alr@hotmail.com
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 5
المقدمة
الحمد لله رب العالمين.. وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الكرام البررة المهتدين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
أما بعد:
فإن من نعم الله السابغة ومننه البالغة أن أرسل إلينا رسولًا من أنفسنا، ليخرجنا من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، فكان نبي الرحمة حقًا به أتم الله النعمة وبه كشف الغمة وختم الرسالات، وجعل شريعته باقية إلى يوم الدين.
وبعد أن انتقل النبي ﵌ إلى الرفيق الأعلى حمل لواء هذه الدعوة المباركة من بعده عصبة، جاءت على اختيار واصطفاء من الله، علم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وهداهم إلى الصراط المستقيم، فكان همهم وغايتهم رضوان الله ونشر دعوة الإسلام وما تتضمنه من تحقيق العبودية لله فرضي عنهم وأرضاهم.
وكان هذا الرضوان العظيم تزكية من الله لهم فلم يكن الله ليضلهم بعد أن هداهم ورضي عنهم وهو العالم بما يخفون وما يعلنون، فقد نطقت ألسنتهم بما في قلوبهم من الصدق والإيمان والإخلاص، وبذلوا مهجهم في سبيل الله، وسطروا في التاريخ بطولات وتضحيات جسيمة كل ذلك في سبيل الله ولإعلاء كلمته، ورغم ذلك نجد طائفة من الناس تتجرأت على الطعن فيهم، إما جهلًا باصطفاء الله لهم أو تناسيًا لرضوان الله عليهم مخالفين قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٠)﴾ [الحشر: ١٠].
1 / 9
فهؤلاء لايعرفون حقيقة الصحابة، وربما كان أسلافهم الذين تأثروا بهم وورثوا عنهم الطعن في الصحابة ﵃ قريبي عهدٍ بالشرك فغطى ذلك على فهمهم وكشف ضحالة علمهم بالإسلام، ومنعهم من رسوخ الإيمان بُعدُهم عن الثقافة العربية التي هي وعاء شريعة الإسلام، أو لأنهم لم يستطيعوا التخلص مما بقي في صدورهم من الحقد على الإسلام وأهله وأرادوا تطبيق ما ورثوه من معتقدات على الإسلام.
فلما وجدوا صلابة هذا الدين وصدق من نقله، قاموا بالسعي إلى تقويض أركانه بالنخر في أساسه، والسعي إلى نسف غراسه، وذلك بالطعن في نقلته (الصحابة)، وتستروا وراء حب أهل البيت ﵃، ساعين إلى الوقيعة بينهم وبين جمهور الأمة.
وهذه الوريقات فيها بيان شافٍ -بإذن الله- لما في القرآن الكريم من بيان فضل الصحابة (المهاجرين والأنصار ﵃) وما يعتقده أهل البيت ﵃ فيهم، وأردت منه إظهار مكانة أولئك الأخيار، والصلة بينهم وبين أهل البيت ﵃، وبيان محبتهم بعضهم البعض.
وأعتذر لذوي الألباب من التقصير الواقع في هذا الكتاب وإن كنت قد قصرت في توضيح هذا الجانب أو ذاك، فالسبب - من وجهة نظري - هو أني تركت بعض التفاصيل لوضوحها لم أبينها، ولن أعدم من محب ناصح يوجهني إلى الصواب ويرشدني إلى أفضل المنطق والخطاب فيما لم أطلع عليه.
1 / 10
المدخل
من هو الصحابي؟
اختلط على كثير من الناس التفريق بين مفهوم الصحبة في اللغة ومفهومها في الاصطلاح الشرعي لعدة أسباب منها:
١ - قلة فهمهم واطلاعهم على هذا الجانب، وعدم فقههم في اللغة العربية وخصائصها.
٢ - عدم معرفتهم أن الإصطلاح الشرعي يخصص المعنى اللغوي؛ لأن بضاعتهم في اللغة العربية مزجاة وشحيحة.
٣ - تصديق الروايات التي دسها أعداء الإسلام ونسبوها إلى الصحابة، أوفسروا كلامهم وحرفوه وفقًا لأهوائهم وسعيًا إلى تحقيق أهدافهم العدائية.
حيث نسبوا لأصحاب النبي ﵌ كثيرًا من الأقوال والأفعال الباطلة، وافتروا عليهم الكثير من الاعتقادات الخطيرة كالنفاق والردة وغيرها، مستدلين على هذه المزاعم بما تشابه عليهم من الآيات أو من القرائن والدلالات التي وضعوها في سياقات مكذوبة أو مؤوَّلة تأويلًا باطلًا ينم عن فهم سقيم ونظر عقيم، حيث التقطوا كلمات متناثرة في أحاديث صحيحة متواترة، ومن ثَمَّ أَوَّلوها تأويلًا باطلًا، يدل على ضحالة علمهم ورداءة فهمهم وسوء نيتهم، حين لجأوا إلى الإستدلال على مبتغاهم بروايات ضعيفة أو موضوعة لم تثبت صحتها عن النبي ﵌، فتمسكوا بها تمسك الغريق بحبال الوهم الباطلة.
وحقيقة أمر هؤلاء أنه ليس لديهم علم بمصطلح الحديث، ولا علم الرواة، لأن ذلك العلم عدوُّهم الأكبر الذي أظهر كذبهم وتحريفهم فتجاوزوا قواعده المعتبرة.
1 / 11
وقبل الشروع في بيان عدالة الصحابة، أود أن أبين ضمن هذا المبحث الأمور التالية:
- من هو الصحابي؟
- هل المنافقون من (الصحابة)؟
- هل المرتدون بعد وفاة النبي ﵌ يشملهم مسمى (الصحابي)؟
- وما هو موقف القرآن وأهل البيت ﵈ منهم؟
- لماذا حدث الشقاق والخلاف فيما بينهم إن كان الله سبحانه قد رضي عنهم؟
- ما الدليل على قُرب أو بُعد أهل البيت ﵈ من الصحابة ﵃؟
هذه التساؤلات ستجد لها جوابًا - بإذن الله - عند قراءتك لهذه الصفحات التي تتناول على وجه الخصوص شهادة وأقوال الثقلين: (كتاب الله وأهل البيت ﵈) في عدالة ومكانة الصحابة رضوان الله عليهم ضمن المباحث الآتية:
المبحث الأول: تعريف لفظ الصحابي: لغة واصطلاحًا.
المبحث الثاني: ثناء الثقلين (كتاب الله والعترة) على الصحابة، وفق المطالب الآتية:
المطلب الأول: ثناء الثقلين على أصحاب النبي ﵌.
المطلب الثاني: ثناء الثقلين على الخلفاء الثلاثة ﵃.
المطلب الثالث: ثناء الثقلين على المهاجرين والأنصار ﵃.
المطلب الرابع: ثناء الثقلين على أهل بدر ﵃ تحية طيبة وبعد
المطلب الخامس: ثناء الثقلين على من أنفق وقاتل قبل الفتح وبعده.
المبحث الثالث: كيف ظهرت الفتن بين الصحابة ﵃؟ ومن هو أول من أشعلها؟
المبحث الرابع: المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين.
المبحث الخامس: الموقف الصحيح من أصحاب النبي ﵌.
المبحث السادس: الأسماء والمصاهرات بين الصحابة وأهل البيت ﵈.
1 / 12
المبحث السابع: شبهات وردود.
الخاتمة: وفيها مجموعة من الخواطر التي تجول في ذهن المسلم بعد سماعه لما يقذف به الصحابة من دعاوى وشبهات ما أنزل الله بها من سلطان.
1 / 13
المبحث الأول:
تعريف لفظ «الصحابة»
لزامًا علينا قبل الشروع في بيان الأدلة الدالة على عدالة الصحابة ﵃، أن نبين مفهوم كلمة (الصحابة)؛ لأن جلاء المعنى لهذه الكلمة، وبيان حدود إطلاقها، ومن يتصف بها؟ ومن هو المعني بها؟ لأن ذلك فيه إزالة اللبس والغموض الذي يحيط بهذا المصطلح الشرعي فكان لابد من التمييز بين الصحبة الشرعية واللغوية.
أولًا: تعريف لفظ «الصحابي» لغة:
الصحابي: نسبة إلى صاحب، وله معانٍ عدة تدور في جملتها حول الملازمة والانقياد (^١).
والصحبة في اللغة أعم وأشمل تعريفًا في الإصطلاح الشرعي، فاستخدام الصحبة في اللغة لا يندرج ضمن التعريفات الاصطلاحية الشرعية، إذ هي وفق التعريف اللغوي غير مقيدة بقيود محددة كما هو الحال في المصطلح الشرعي وفقًا لما سنعرفه لاحقًا.
على سبيل المثال نورد جملة من معاني الصحبة اللغوية لدفع اللبس بينها وبين الصحبة في المصطلح الشرعي، ومن هذه الإطلاقات:
١ - الصحبة المجازية: وهي التي تطلق على اثنين بينهما وصف مشترك، وقد يكون بينهما أمد بعيد، كقول النبي ﵌ لبعض أزواجه: (إنكن صواحب يوسف) (^٢).
_________
(^١) لسان العرب: (١/ ٥١٩).
(^٢) انظر البخاري كتاب الأذان رقم: (٧١٢)، بحار الأنوار: (٢٨/ ١٣٧).
1 / 15
٢ - الصحبة الإضافية: وهي التي تضاف للشيء لوجود متعلق به، كما يقال: (صاحب مال، صاحب علم... إلخ).
٣ - صحبة القائم بالمسئولية: وهذا كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً﴾ [المدثر: ٣١].
٤ - صحبة اللقيا: تطلق الصحبة على التلاقي الذي يقع بين اثنين، ولو لمرة واحدة لسبب ما، ثم ينقطع.
وهذا كما جاء عن النبي ﵌ أنه قال: (البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر...) (^١)، فسمى ﵌ المشتري (صاحبًا) مع أن اللقيا وقعت مرة واحدة مع البائع حين يشتري منه السلعة وقد لا تتكرر.
٥ - صحبة المجاورة: وهي التي تطلق على المؤمن والكافر والعكس، وهو مصداق ما جاء في قوله تعالى: ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (٣٧)﴾ [الكهف: ٣٧].
وكما في قوله تعالى: ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (٣٤)﴾ [الكهف: ٣٤].
ويجوز أن تطلق الصحبة على من لا يعرف صاحبه ولم يلتق به يومًا، كما قال عبد الرحمن ابن عوف ﵁ للغلامين من الأنصار اللذين كانا يبحثان عن أبي جهل في غزوة بدر يريدان قتله بسبب سبه للنبي ﵌، فقال لهما: (هذا صاحبكما الذي تسألان عنه) (^٢).
_________
(^١) مصدر سني مستدرك الوسائل: (١٣/ ٢٩٩).
(^٢) انظر صحيح مسلم برقم: (١٧٥٢)، بحار الأنوار: (١٩/ ٣٢٧).
1 / 16
ووفق ما سبق ذكره يتضح أن مدلول الصحبة اللغوية لا يمكن انطباقه على الصحبة الشرعية ولا يمكن تعريفها طبقًا له، إذ لو كان (الصحابي) يُعرّف بالتعريف اللغوي للصحبة وفق الاستخدامات التي مرت، لكنّا نحن جميعًا في عداد الصحابة، ولكان اليهود والمنافقون والنصارى والمشركون الذين لقوا النبي ﵌ كذلك من باب أولى، إذ لا يشترط في اللغة للفظ المصاحبة اللقاء المستمر والإيمان بالله والموت على ذلك.
ومن ذلك على سبيل المثال نذكر قصة تطاول المنافق عبد الله بن أبي بن سلول على... النبي ﵌، وطلب عمر ﵁ من النبي ﵌ أن يأذن له بضرب عنقه، فقال له ﵌: (دعه؛ لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) (^١).
فالنبي ﵌ ذكر الصحبة للمنافق في هذا الحديث، لكنه قصد الاستعمال اللغوي لا الاصطلاحي، وهذا من بلاغته ﵌ وحكمته، وفق ما تعارف عليه العرب في لغتهم، ولم يكن هناك من محظور في فهم الإطلاق اللغوي، وذلك لأمرين:
الأول: أن الإطلاق اللغوي لا يقصد منه التفريق بين الإيمان والنفاق؛ لأنه ليس له ضابط.
الثاني: أن النبي ﵌ قال عن سبب منع عمر ﵁ عن قتله للمنافق: (حتى لا يتحدث الناس)، والناس المشار إليهم هنا هم فئة ليست من الصحابة وفقًا للمصطلح الشرعي؛ لأن القرآن حينما خاطب أهل الإيمان كان يخاطبهم بقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وحينما كان يوجه الكلام للكفار أو لعموم الناس مؤمنهم وكافرهم كان خطابه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾.
_________
(^١) شرح أصول الكافي/ مولى محمد سالم المازندراني: (١٢/ ٤٨٧). وانظر: الصحيح من السيرة/ السيد جعفر مرتضى: (٦/ ١٦٣).
1 / 17
ومن المعلوم بداهة أن الكفار هم أكثر الناس عداوة وحرصًا على الطعن في النبي ﵌ ودعوته، ولذلك حينما يقتل النبي ﵌ عبد الله بن أبي بن سلول، فلن يقول الكفار بأنه قد قتل منافقًا يستحق القتل، بل سيقال: (إن محمدًا يقتل أصحابه)، وسينتشر الخبر بين العرب ويتحقق ما يرمي إليه الكفار، وهو صد الناس عن قبول هذه الدعوة والالتفاف حول... رسول الله ﵌ ولم يكن هذا التحديد اللغوي في فهم معنى الصحابي عسيرًا أو مشكلًا عند الكفار أو المنافقين فضلًا عن سائر المسلمين الأوائل؛ لأنهم كانوا أهل اللغة وفرسانها والبارعين في دروبها وميادينها، فمن اقتدى بفهمهم وسار على دربهم، وفقه الله لفهم سديد ورأي رشيد لكثير من المعضلات والمبهمات.
1 / 18
ثانيًا: تعريف الصحابي اصطلاحًا:
تعددت العبارات الموضحة لتعريف الصحابي اصطلاحًا، وكان من أدقها وأوضحها وأشملها بيانًا هو: (من لقي النبي ﵌ مؤمنًا به ومات على الإسلام).
قال الحافظ ابن حجر: (من لقي النبيّ ﵌ في حياته مسلما ومات على إسلامه) (^١).
وقال الشهيد الثاني (^٢): (الصحابي: من لقي النبي ﵌ مؤمنًا به، ومات على الإسلام، وإن تخللت ردته بين لقيه مؤمنًا به، وبين موته مسلمًا على الأظهر، والمراد باللقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر، وإن لم يكالمه ولم يره) (^٣).
ولتوضيح التعريف السابق أقول:
(من لقي النبي ﵌) أي: في حياته، سواء نظر إليه، أو من لم يستطع النظر إليه
كعبد الله بن أم مكتوم؛ فإنه كان أعمى ولقي النبي ﵌ ولم يره، وأما من أسلم بعد وفاة النبي ﵌ ورآه قبل دفنه فلا يعد صحابيًا.
(مؤمنًا به) أي: يشترط الإيمان بالنبي ﵌ وما جاء به، فمن لقي النبي ﵌ وهو على الكفر من أهل الكتاب والمنافقين وغيرهم، سواء أسلم بعد وفاة الرسول ﵌ أو لم يسلم فلا صحبة له.
(مات على الإسلام) أي: أن من مات مرتدًا بعد وفاة النبي ﵌ فليس صحابيًا بالمعنى الشرعي الذي يستلزم العدالة.
_________
(^١) الإصابة في تمييز الصحابة: (٤/ ٣١).
(^٢) العلامة/ زين الدين بن نور الدين العاملي الجبعي (ت: ٩٦٥ هـ).
(^٣) الرعاية: (ص: ٣٣٩).
1 / 19
الخلاصة:
ومما سبق يتضح لنا جليًا أهمية التعامل مع اللغة والاصطلاح في بيان المصطلحات الشرعية وفق فهم العلماء المتخصصين، بعيدًا عن التفسير بالرأي أو الهوى، ولأهمية هذا الجانب المؤسس للفهم الصحيح لما سيأتي أحببت أن أبينه كمدخل في المسألة، وذلك قبل الولوج في صلب الموضوع، وهو ثناء الثقلين (القرآن والعترة) على أولياء الرحمن (الصحابة ﵃).
1 / 20
المبحث الثاني:
ثناء الثقلين على الصحابة ﵃ -
يجب على كل مسلم أن يعتقد علو مكانة أصحاب النبي محمد ﵌، وأنهم أفضل الأمم وأن خير قرون الإسلام قرنهم، وذلك لسبقهم للإسلام، وشرف اختصاصهم بصحبة خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد ﵌، والجهاد معه، وتحمل الشريعة عنه، وتبليغها لمن بعده.
وأن يعتقد المسلم كذلك أن أصحاب النبي ﵌ ليسوا على درجة واحدة في الفضل والمرتبة، بل تتفاوت مرتبتهم في الفضل بحسب سبقهم إلى الإسلام والجهاد والهجرة وبحسب ما قاموا به ﵃ من أعمال تجاه نبيهم ودينهم، والله ﷾ هو الذي ينزل الناس منازلهم، وهذا التفضيل كتفضيل بعض الرسل على بعض مع عدم التفريق بينهم وعدم الانتقاص من أي منهم.
فالمسلمون يقدمون المهاجرين على الأنصار، ويقدمون أهل بدر على أهل بيعة الرضوان ويقدمون من أسلم قبل الفتح وقاتل على غيرهم، وفق ما جاء ذكره وتفصيله عن الثقلين (كتاب الله والعترة الطاهرة ﵈)، وقد شهد الثقلان على عدالة الصحابة من بعد رضا الله عنهم، واستفاضت الروايات الدالة على الثناء عليهم؛ لجميل أفعالهم وكريم أقوالهم.
وذكر هذا الثناء وبيان من حازه هو محور البيان في هذا البحث، وفق المطالب الآتية:
المطلب الأول: ثناء الثقلين (القرآن والعترة ﵈) على أصحاب النبي ﵌.
المطلب الثاني: ثناء الثقلين على الخلفاء الثلاثة ﵃.
المطلب الثالث: ثناء الثقلين على المهاجرين والأنصار ﵃.
المطلب الرابع: ثناء الثقلين على أهل بدر ﵃.
المطلب الخامس: ثناء الثقلين على من أنفق وقاتل قبل الفتح وبعده ﵃.
1 / 21
المطلب الأول: ثناء الثقلين على أصحاب النبي ﵌ -:
إن المسلم العاقل الذي يقرأ القرآن الكريم، ويتمعن في آياته، يجد إن الآيات القرآنية الكريمة قد استفاضت في ذكر فضائل ومناقب أصحاب النبي ﵌، وكيف اختارهم الله واصطفاهم وعدلهم وزكاهم ووصفهم بأوصاف القبول والرضا.
الثناء على الصحابة ﵃ في كتاب الله:
قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)﴾ [الفتح: ٢٩].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
يخبر تعالى عن رسوله ﵌ وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجل الأحوال، وأنهم ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾ أي: جادون ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذل أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون، ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ أي: متحابون متراحمون متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق، وأما معاملتهم مع الخالق فإنك ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ أي: وصفهم كثرة الصلاة، التي أجل أركانها الركوع والسجود. ﴿يَبْتَغُونَ﴾ بتلك العبادة ﴿فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ أي: هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم، والوصول إلى ثوابه. ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ أي: قد أثرت
1 / 23
العبادة -من كثرتها وحسنها- في وجوههم، حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت [بالجلال] ظواهرهم. ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ أي: هذا وصفهم الذي وصفهم الله به، مذكور بالتوراة هكذا.
وأما مثلهم في الإنجيل، فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم... ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ﴾ أي: أخرج فراخه، فوازرته فراخه في الشباب والاستواء.
﴿فَاسْتَغْلَظَ﴾ ذلك الزرع أي: قوي وغلظ ﴿فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ﴾ جمع ساق، ﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ﴾ من كماله واستوائه، وحسنه واعتداله، كذلك الصحابة ﵃، هم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه، قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين الله والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ، ولهذا قال: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم، وحين يتصادمون هم وهم في معارك النزال، ومعامع القتال.
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ فالصحابة ﵃ الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، قد جمع الله لهم بين المغفرة، التي من لوازمها وقاية شرور الدنيا والآخرة، والأجر العظيم في الدنيا والآخرة. (^١) انتهى.
_________
(^١) تيسر الكريم المنان: (١/ ٧٩٥)
1 / 24
وقال محمد باقر الناصري:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ أي: يطلبون بذلك مزيد نعم الله عليهم ورضوانه عنهم، ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ علامتهم يوم القيامة أن تكون مواضع سجودهم أشد بياضًا، ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ يعني: أن ما ذكر من وصفهم هو عين ما وصفوا به في التوراة، وكذلك ﴿فِي الْإِنْجِيلِ﴾ أي: فراخه... ﴿فَآزَرَهُ﴾ فاشتد وأعانه فغلظ ذلك الزرع فقام على ساقه وأصوله حتى بلغ الغاية، قال الواحدي: هذا المثل ضربه الله تعالى بمحمد وأصحابه، فالزرع محمد ﵌ والشطأ أصحابه والمؤمنون حوله، وكانوا في ضعف وقلة كما يكون أول الزرع ثم قوى بعضهم بعضًا، ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ أي: في ذلك غيظ الكفار بكثرة المؤمنين واتفاقهم على الطاعة (^١).
وقال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة: ١٠٠].
قال ابن الجوزي: قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ﴾ فيهم ستة أقوال: أحدها: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله ﵌، قاله أبو موسى الأشعري، وسعيد بن المسيب، وابن سيرين، وقتادة. والثاني: أنهم الذين بايعوا رسول الله ﵌ بيعة الرضوان، وهي الحديبية، قاله الشعبي. والثالث: أنهم أهل بدر، قاله عطاء بن أبي رباح. والرابع: أنهم جميع أصحاب رسول الله ﵌، حصل لهم السبق بصحبته. قال محمد بن كعب القرظي: إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبيّ ﵌ وأوجب لهم الجنّة محسنهم ومسيئهم في قوله تعالى:
_________
(^١) تفسير مختصر مجمع البيان، وانظر: جامع الجوامع، من وحي القرآن (سورة الفتح: ٢٩).
1 / 25
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ. والخامس: أنهم السابقون بالموت والشهادة، سبقوا إلى ثواب الله تعالى. ذكره الماوردي. والسادس: أنهم الذين أسلموا قبل الهجرة، ذكره القاضي أبو يعلى.
وقال في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ من قال: إن السابقين جميع الصحابة، جعل هؤلاء تابعي الصحابة، وهم الذين لم يصحبوا رسول الله ﵌. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: والذين اتَّبعوهم باحسان إلى أن تقوم الساعة. ومن قال: هم المتقدمون من الصحابة، قال: هؤلاء تبعوهم في طريقهم، واقتدَوْا بهم في أفعالهم، ففضِّل أولئك بالسبق، وإن كانت الصحبة حاصلة للكل. وقال عطاء: اتباعهم إياهم باحسان: أنهم يذكرون محاسنهم ويترحَّمون عليهم.
وقال في قوله تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ يعم الكل، قال الزجاج: رضي الله أفعالهم، ورضوا ما جازاهم به. (^١)
وقال أمين ا لدين أبو علي الطبرسي:
هم الذين صلوا إلى القبلتين، وقيل: الذين شهدوا بدرًا، ومن (الأنصار): أهل بيعة العقبة الأولى وكانوا اثني عشر رجلًا، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين رجلًا، والذين حين قدم عليهم مصعب بن عمير فعلمهم القرآن (^٢).
تنبيه:
حاولت طائفة من أهل الفتن والأهواء إبعاد تلك الآية عن تأويلها الصريح الواضح بالثناء على الصحابة، وقالوا بأن تلك الآيات لا تفيد الثناء على عموم الصحابة؛ لأن الله
_________
(^١) زاد المسير (٢/ ٢٩٥)
(^٢) تفسير جامع الجوامع، وانظر: تفسير من وحي القرآن، العياشي (سورة التوبة: ١٠٠).
1 / 26