صاح ييتس حين قام الجنرال غاضبا وواجه الاثنين: «على رسلك أيها الجنرال، على رسلك! أعترف بأنه يستحق بشدة القتل بالرصاص، لو كنت قاتل الحمقى، وأنت لست كذلك. لكن قتله غير منطقي، سأتولى المسئولية عنه. كل ما عليك أن تنهي هذا التصريح من أجلي، وسأتولى أمر البروفيسور. ارمني أنا بالرصاص إن شئت، ولكن لا تلمسه. فهو ليس لديه أي عقل كما ترى، لكن هذا ليس ذنبي، وليس ذنبك. لو اعتدت إطلاق النار على كل أحمق أيها الجنرال، فلن تتبقى لديك ذخيرة لغزو كندا.»
ابتسم الجنرال لا إراديا، واستأنف كتابة التصريح. ثم قال وهو يعطي ييتس الورقة: «هاك. كما ترى، دائما ما نحب أن نرضي الصحافة. سأخاطر بترك صديقك العدواني، وآمل أن تفرض عليه سيطرة أشد مما استطعت أن تفرضها عليه هنا إذا قابلتما الكنديين. ألا ترى أن من الأفضل عموما أن تبقيا معنا؟ سنبدأ المسير في غضون ساعتين، حين يكون الرجال قد نالوا قليلا من الراحة.» وأضاف بنبرة أخفض كي لا يسمعه البروفيسور: «أظنك لم تر أي شيء من أثر القوات الكندية، أليس كذلك؟» «ولا أي أثر. كلا، لا أظن أنني سأبقى. فأنا أتوقع أن يحضر خمسة من زملائنا إلى هنا اليوم، وهذا سيكون كافيا وزيادة. إنني في إجازة هنا في الواقع. كنت أسعى إلى الراحة والهدوء. بدأت أشعر بأنني أخطأت في اختيار المكان.»
ودع ييتس القائد وسار مع صديقه إلى خارج المعسكر. شقا طريقهما وسط الرجال النائمين وأكوام من البنادق المكدسة. وعلى سن إحدى حراب البنادق علقت قبعة حريرية طويلة بدت شاذة للغاية في مكان كهذا.
قال ييتس: «أظن أننا سنذهب إلى طريق ريدج، الذي لا بد أنه يقع في مكان ما في هذا الاتجاه . سيكون المشي فيه أسهل من المشي عبر الغابة، وفوق ذلك، أريد التوقف عند أحد البيوت الريفية والحصول على بعض الفطور. فأنا جائع كدب بعد مسيرة امتدت لمسافة طويلة جدا.»
رد البروفيسور باقتضاب قائلا: «ممتاز.»
ظلا يمشيان بخطوات متعثرة إلى أن بلغا حافة الغابة، وبعد أن اجتازا بعض الحقول المفتوحة وصلا إلى الطريق بعد قليل، بالقرب من مكان الشجار الذي وقع بين ييتس وبارتليت. شعر الرفيقان آنذاك بارتياح أكبر، وسارا في صمت على طول الطريق صوب الغرب، تاركين خلفهما الشرق الذي كان يزداد احمرارا. كان المشهد كله هادئا وساكنا على نحو غريب، وبدت ذكرى المعسكر العجيب الذي تركاه في الغابة مجرد كابوس. كان نسيم الصباح عليلا، وبدأت الطيور تغرد. كان ييتس يعتزم توبيخ البروفيسور بشأن ما أبداه من انعدام للباقة والمنطق السليم في المعسكر، لكن بطريقة ما، لم يكن هذا الوقت المبكر للغاية من النهار مناسبا للجدل، فضلا عن أن السكون التام قد هدأ روح ييتس. بدأ يصفر لحن الأغنية الحربية الشعبية «سر، سر، سر، الفتية يتقدمون» بنبرة هادئة، ثم سأل فجأة قائلا: «بالمناسبة يا ريني، هل لاحظت تلك القبعة الطويلة التي كانت معلقة على سن الحربة؟»
أجاب البروفيسور قائلا: «نعم، ورأيت خمس قبعات أخرى متناثرة في أنحاء المعسكر.» «يا إلهي! كنت قوي الملاحظة. لا أستطيع أن أتخيل أي شيء مثير للسخرية كرجل يذهب إلى الحرب بقبعة حريرية طويلة.»
لم يرد البروفيسور، وغير ييتس صفيره إلى لحن أغنية «التفوا حول الراية».
ثم قال أخيرا: «أظن يا رينمارك أن محاولة إضفاء مزيد من الحسن على هذه الساعة الصباحية بأن أريك مدى الحماقة التي أبديتها في المعسكر لن تجدي نفعا، أليس كذلك؟ لقد حدت قليلا عن دبلوماسيتك الطبيعية المعتادة.» «أنا لا أعتمد الدبلوماسية في التعامل مع اللصوص والمتشردين.» «ربما يكونون متشردين، لكني أيضا كذلك. وربما يكونون رجالا مخطئين ذوي نوايا حسنة، لكني لا أظنهم لصوصا.» «بينما كنت تتحدث مع ذلك الجنرال المزعوم، جاءت جماعة إلى المعسكر ومعهم خيول مسروقة من المزارعين في الجوار ، وغادرت جماعة أخرى لجلب مزيد من الخيول.» «أوه، هذه ليست سرقة يا رينمارك، بل مصادرة. يجب ألا تستخدم هذه الألفاظ المتهورة. أظن أن الجماعة الثانية حققت مبتغاها؛ فها هم ثلاثة رجال كلهم يمتطون أحصنة.»
أوقف الفرسان الثلاثة، الذين تكلم عنهم ييتس، خيولهم حين رأوا الرجلين قادمين عند منعطف الطريق، وانتظروا اقترابهما. وكانوا كالعديد من الآخرين لا يرتدون زيا عسكريا رسميا، ولكن كان اثنان منهم يمسكان مسدسين جاهزين لإطلاق الرصاص. أما الرجل الذي لم ير معه مسدس، فحرك حصانه إلى وسط الطريق نحو ييتس ورفيقه، بينما اتخذ كلا الرجلين الآخرين موقعا على كلا جانبي الطريق المخصص للعربات.
ناپیژندل شوی مخ