كان هوارد الصغير متحمسا لتقديم المعلومات إلى رجل جامعي، لا سيما عن موضوع الكتب، الذي كان يعتبره جزءا من اختصاص أولئك الرجال الذين تعلموا في الجامعة. وكان سعيدا كذلك باكتشاف أن سكان المدينة لا يعرفون كل شيء. فلطالما كان يظنهم كذلك، وتأكد لديه ذلك الظن بطريقة مزعجة حين رأى الثقة المفرطة التي تصرف بها ييتس. كان واضحا أن البروفيسور رجل مهذب، لم يتظاهر بأنه ذو معرفة موسوعية شاملة. وكان هذا مشجعا. لذا أعجب الشاب برينمارك أكثر مما أعجب ببيتس، وكان سعيدا بأنه عرض عليه توصيله، صحيح أن هذا كان هو العرف السائد بالطبع، ولكن قد يعفى منه الشخص حين يقود حصانا واحدا ويجر حمولة ثقيلة على طريق رملي.
قال شارحا: «حسنا، أصغ إلي، الوضع هكذا: تقر البلدة مبلغا من المال بالتصويت، لنقل مائة دولار أو مائتين على سبيل المثال، حسب الظروف. ويخطرون الحكومة بهذا المبلغ، فتضيف الحكومة إليه المقدار نفسه. إنه أشبه باللعبة القديمة: فكر في رقم، وهم سيضاعفونه. تملك الحكومة مستودع كتب في تورنتو حسبما أظن، وتبيعها بسعر أرخص من متاجر الكتب. على أي حال، تشترى كتب بقيمة أربعمائة دولار، أو أيا كان المبلغ، وتصبح ملك البلدية. ثم يختار خمسة أشخاص في البلدة ليكونوا أمناء مكتبات، ويتولون مسئولية الحفاظ عليها. والدي هو أمين المكتبة المعني بهذا القسم من البلدة. تقسم المكتبة إلى خمسة أجزاء، ويحصل كل أمين مكتبة على حصة معينة. أذهب مرة في السنة إلى القسم التالي وآخذ كل كتبهم. وهم يذهبون بدورهم إلى القسم التالي ويأخذون كل الكتب الموجودة هناك. سيأتي رجل إلى بيتنا اليوم ويأخذ كل الكتب الموجودة لدينا. وهكذا نجري تغييرا كاملا كل عام، وفي خمس سنوات، نستعيد الدفعة الأولى من الكتب، التي نكون قد نسيناها تماما بحلول ذلك الوقت. واليوم هو يوم التغيير في كل الأقسام.»
سأله البروفيسور: «وهل تعار الكتب إلى أي من يريد قراءتها في كل قسم؟» «نعم. تحتفظ مارجريت بسجل، ويستطيع أي شخص استعارة أي كتاب لمدة أسبوعين، وتفرض عليه غرامة إذا لم يعد الكتاب بنهاية هذه المدة، لكن مارجريت لا تغرم أحدا أبدا.» «وهل يجب على الناس دفع شيء مقابل استعارة الكتب؟»
قال هوارد بازدراء طفيف رقيق: «لا بالطبع! لا تقل إنك تتصور أن يدفع الناس شيئا مقابل قراءة الكتب، أتتصور ذلك حقا؟» «كلا، لا أتصور ذلك. ومن اختار الكتب؟» «حسنا، تستطيع البلدية اختيار الكتب إن شاءت، أو يمكنها إرسال لجنة لاختيارها، لكنهم رأوا أن الأمر لا يستحق العناء والتكاليف. فقد تذمر بعض الناس آنذاك تذمرا كافيا بالفعل من إهدار المال على الكتب، إن جاز التعبير، مع أن البلدية اشترتها بنصف الثمن. ومع ذلك، قال البعض الآخر إن عدم أخذ أموال من الحكومة في ظل وجود فرصة سانحة لذلك سيكون أمرا مؤسفا. لا أظن أن أيا منهم كان مهتما كثيرا بالكتب، باستثناء أبي وبضعة أشخاص آخرين. لذا اختارت الحكومة الكتب بنفسها. سيفعلون ذلك لو تركت لهم الاختيار. وقد أرسلوا كما غريبا من النفايات، إن كنت تصدقني. أعتقد أنهم ألقوا إلينا بكل الكتب التي ما كان أي شخص آخر ليشتريها. وحتى حين انتقوا روايات، كانت صعبة ككتب التاريخ تماما. كانت إحداها هي رواية «آدم بيد». يقولون إنها رواية. لقد حاولت قراءتها، لكني أفضل قراءة تاريخ جوزيفوس عنها بأي حال من الأحوال. فهو على الأقل يحوي بعض المعارك والقتال ما دام تاريخا بالفعل. ويوجد كذلك قدر هائل من كتب السيرة الذاتية. إنها ليست جيدة. ويوجد بينها كتاب «تاريخ نابليون». لقد أخذه بارتليت العجوز، ولن يتركه. يقول إنه دفع ضرائب تكوين المكتبة رغما عنه. ويتحداهم للجوء إلى القانون في هذا الشأن، غير أن القيام بذلك من أجل كتاب واحد لا يستحق العناء. كل الأقسام الأخرى تطلب هذا الكتاب؛ ليس لأنهم يريدونه، لكن أهالي البلدة كلهم يعرفون أن بارتليت العجوز متشبث به؛ لذا يريدون بعض التسلية. لقد قرأ بارتليت هذا الكتاب أربع عشرة مرة، وهذا كل ما يعرفه. أقول لمارجريت إنها يجب أن تغرمه، وتواظب على تغريمه عن كل تأخير، لكنها لن تفعل ذلك. أتصور أن بارتليت يظن أن الكتاب صار ملكه الآن. إن مارجريت تحب كيتي والسيدة بارتليت، كما يحبهما الجميع، لكن بارتليت العجوز فظ مكروه. ها هو يجلس الآن في شرفته، ومن العجيب أنه لا يقرأ «تاريخ نابليون».»
كانا يمران بمنزل بارتليت، وصاح هوارد الصغير بعلو صوته قائلا: «أيا سيد بارتليت، نريد كتاب نابليون ذاك. فاليوم هو يوم التغيير، كما تعرف. أأصعد إليك لآخذه أم ستنزله إلي؟ إذا أحضرته إلى البوابة، فسأنقله بالعربة إلى البيت الآن.»
لم يكترث الرجل العجوز بما قيل له، لكن السيدة بارتليت أتت إلى الباب بعدما جذبها صياح الشاب.
صاحت وهي تنزل إلى البوابة حين رأت البروفيسور: «ارحل من هنا مع كتبك أيها الوغد الصغير! تلك طريقة رائعة لنقل الكتب المغلفة، كأنها حمولة هائلة من الطوب. أجزم أنك فقدت دزينة منها بين مالوري وهنا. لكن ما ينال بسهولة يزول بسهولة. يبدو واضحا أنها لم تكلفك شيئا. لا أعرف إلى أين تذهب بنا الدنيا حين تنفق البلدة أموالها على الكتب، كأن الضرائب ليست باهظة كفاية بالفعل. ألن تدخل يا سيد رينمارك؟ الشاي على الطاولة.»
قال هوارد الصغير قبل أن يحظى البروفيسور بوقت للرد: «السيد رينمارك يصحبني في هذه الرحلة يا سيدة بارتليت، ولكن إذا دعوتني، فسأدخل وأحتسي الشاي حالما أعقل الحصان.»
فقالت له: «ارحل من هنا مع هرائك؛ فأنا أعرفك.» ثم سألته بصوت أخفض: «كيف حال أمك يا هنري، ومارجريت؟» «إنهما بخير، شكرا لك.» «أخبرهما بأنني سآتي لزيارتهما يوما ما قريبا، لكن هذا يجب ألا يمنعهما من زيارتي. فالعجوز ذاهب إلى البلدة غدا»، وبعدما ألقت هذا التلميح، ودعت البروفيسور مرة أخرى إلى تناول وجبة معهم، تركت الطريق وصعدت إلى المنزل.
قال رينمارك وهو في منتصف الطريق بين البيتين: «أظنني سأنزل هنا. أنا في غاية الامتنان لك لتوصيلي، ولما أخبرتني به عن الكتب أيضا. لقد كان شائقا جدا.»
ناپیژندل شوی مخ