استلقى ييتس على ظهره مرة أخرى مشمئزا. فثمة لحظات في الحياة تخذل فيها اللغة المرء.
قال البروفيسور : «إذن هل نتفق على أن تتولى الطهي، وأغسل أنا الأطباق؟» «نتفق؟ أوه نعم، إن كان هذا رأيك، لكن كل اللذة التي يجدها المرء في الحصول على ما يريده باستخدام ذكائه قد تلاشت. أكره أن يتفق أحد معي بهذه الطريقة المهذبة البغيضة.» «حسنا، ها قد حسمت هذه النقطة، من سيبدأ دوره في إحضار الطعام، أنا أم أنت؟» «كلانا يا سيدي البروفيسور، كلانا. فأنا أعتزم الذهاب إلى منزل آل هوارد، وأحتاج إلى مبرر للزيارة الأولى؛ لذا سأؤدي جزءا محدودا من مهمة إحضار الطعام. سأذهب إلى هناك متظاهرا بأنني أريد شراء الخبز. ونظرا لأنني قد لا أحصل على أي خبز، فربما يتعين عليك إحضار بعض منه من أي منزل ريفي تختاره مسرحا لمهمتك. دائما ما يكون الخبز نافعا في التخييم، سواء أكان طازجا أم قديما. وحين يراودك أدنى شك أو تردد، اشتر المزيد من الخبز. فلا يمكن أن يكون اختيارك فاسدا أبدا، وكذلك الخبز.» «ما الذي يتعين علي إحضاره أيضا؟ الحليب حسبما أظن؟» «بالتأكيد، وبيض وزبد وأي شيء. ستعطيك السيدة بارتليت نصائح بشأن ما يجب أن تحضره أفضل من نصائحي.» «هل لديك كل أواني الطهي التي تحتاج إليها؟» «أظن ذلك. لقد قال الوغد الذي استأجرت منه المعدات إنها كاملة. لا شك أنه كذب، لكننا سنتدبر الأمر، على ما أظن.» «رائع. إذا انتظرتني حتى أغير ملابسي، سأمشي معك هذه المسافة الطويلة حتى الطريق.» «يا رفيقي العزيز، كن حكيما، ولا تغير ملابسك. ستحصل على كل شيء بأرخص من ثمنه بعشرين في المائة إن اشتريته بهذه الثياب الرثة. وفوق ذلك، فهي تجعلك أكثر جاذبية بكثير. ربما تنقذنا ثيابك من الجوع إذا نفد المال. فيمكنك الحصول على ما يكفي لكلينا بصفتك متشردا محترفا. أوه، حسنا، إذا كنت تصر على رأيك، فسأنتظرك. إسداء نصيحة جيدة إلى أمثالك إهدار لها.»
الفصل السادس
كانت مارجريت هوارد تقف عند طاولة المطبخ وهي تعجن العجين. كانت الغرفة تسمى بالمطبخ، لكنها لم تكن كذلك، إلا في فصل الشتاء. فقد كان الموقد ينقل منها في فصل الربيع إلى كوخ ملاصق للبيت يمكن الوصول إليه بسهولة عبر الباب المفتوح المؤدي إلى شرفة المطبخ.
وحين كان الموقد يدخل إلى الغرفة أو يخرج منها، كان هذا مؤشرا على اقتراب حلول الصيف أو رحيله. كان بمثابة البندول الثقيل الذي كان تأرجحه إلى هذا الاتجاه أو ذاك يشير إلى التغييرين الكبيرين في السنة. ولم يكن المزارع وأولاده يكرهون أي مهمة في المزرعة أشد من كرههم لتغيير مكان الموقد كل ستة أشهر. فقد كان السخام يتساقط منه، وكانت المداخن تتذمر بصرير حاد مزعج من تركيبها معا مجددا، بينما كان الموقد نفسه ثقيلا ومنهكا، وكان أغلب أوجاع الظهر لدى أهل الريف يعود تاريخها إلى رحلة الموقد من الكوخ الخارجي إلى المطبخ.
كان المطبخ نفسه عبارة عن مبنى من طابق واحد، وكان بارزا من خلف البيت الريفي المكون من طابقين، ما جعل الشكل كله على هيئة حرف تي. وكانت توجد شرفة أرضية على كل من جانبي المطبخ، بالإضافة إلى شرفة بمحاذاة مقدمة المنزل نفسه.
كان كما مارجريت مشمرين إلى مرفقيها تقريبا، كاشفين عن ذراعين بيضاوين جميلتين. وكانت بين الحين والآخر تعفر لوح العجن بالدقيق ببراعة لتمنع التصاق العجين، وبينما كانت تضغط راحتي يديها في كتلة العجين الإسفنجية الملساء البيضاء، كانت الطاولة تصدر صريرا وتأوها كأنها تشتكي. قطعت لفة العجين بالسكين إلى كتل ربتت عليها حتى اتخذت الشكل المنشود، ورصتها متجاورة، كالتلال الثلجية الصغيرة، في الصاج الحديدي الأسود.
في هذه اللحظة، سمعت مارجريت نقرا على باب المطبخ المفتوح، واستدارت مذعورة؛ إذ كان بيتها نادرا ما يأتيه زوار في ذلك الوقت من اليوم، ولأن الجيران نادرا ما كانوا يتنازلون ويلتزمون بمثل هذه الشكليات كالطرق على الباب. توردت الفتاة خجلا حين أدركت أن هذا الزائر هو الرجل الذي تحدث إليها في اليوم السابق. كان يقف مبتسما في المدخل، حاملا قبعته في يده. لم تتفوه الفتاة بكلمة تحية أو ترحيب، لكنها وقفت تحدق إليه واضعة يدها على الطاولة المكسوة بالدقيق.
قال ييتس بابتهاج: «صباح الخير يا آنسة هوارد، هل لي أن أدخل؟ ظللت أطرق الباب الأمامي لبعض الوقت دون جدوى، لذا استدرت وجئت إلى هنا بلا إذن.»
ردت مارجريت قائلة: «لم أسمع طرقك.» تجاهلت دعوته للدخول، لكنه اعتبر الإذن شيئا مسلما به، ودخل ثم جلس من تلقاء نفسه جلسة رجل جاء ليبقى. وأضافت: «يجب أن تعذرني لمواصلة عملي؛ فالخبز في هذه المرحلة لن ينتظر.» «بالتأكيد، بالتأكيد. أرجو ألا تدعيني أقاطعك. كنت أصنع خبزي بنفسي لسنوات، ولكن ليس بتلك الطريقة. وأنا سعيد بأنك تصنعين الخبز؛ لأنني جئت لأرى إن كان بإمكاني شراء بعض منه.» «حقا؟ ربما يمكنني أن أبيع لك بعض الزبد والبيض أيضا.»
ناپیژندل شوی مخ