============================================================
الهوى إلى سويداثه، ولا ينطلق به انطلاق الصوفية النظريين نحو الأوهام وتأليه الفرد، فهذا وذاك تطرف ليس من الوسط قامت عليه أمة الإسلام : ولعل هذا الموقف المتزن هو الذي دعا الصوفية إلى هجران تراث المحاسبي في الوقت الذي كان يجب عليهم فيه أن يلتفوا حوله في صدق وإخلاص، حتى يعودوا إلى الوسط إن كانوا صادقين حقا في أنهم من دعاة الإسلام ... ولكن المحاسي حين عنف يشدة من يدعون آنهم يكونون في مكان ويصلون في غيره، وأنهم يخاطبون الأرواح، ويرون الملائكة، ويدعون إلى الانقطاع عن الحيساة في الخلوات، حين فعل ذلك لم تتجه إليه أهواء رجال التصوف المتأخرين ولم يعن به رجال الطب النفسي المحدثين، واثروا عليه "سيجمون فرويد" اليهودي المخرب الذي يعلي من شأن الغريزة فيجعلها أساسا لكل تفوق إنساني على الإطلاق.
المحاسي يين البداية والتهاية: والمحاسبي تختلف بدايته عن نهايته. ففي مطلع شبابه كتب " الوصايا" وكان فيه متشددا غاية الشدة، حتى كاد يكره حيازة المال على أي صورة من الصور... واحتج احتجاجات طويلة ضد من يبيحون حيازة الأموال، وفرق بينهم وبين الصحابة ممن كانوا يملكون الأموال بحقها. وأفاض في هذا القول حتى كاد أن يكون صورة مطابقة لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه . ولعل الظروف المتشابهة في بيئة المحاسبي وبيئة أبي ذر هي التي دفعته إلى سلوك هذا المنهج: ولكنه بعد أن استقر به الحال عاد يقول : إن الزهد ليس في إهدار الملكية الفردية، ولكنه عمل قلبي تصدقه اليد. فكم من فقير حريص، وكم من غني زاهد وفي باب المدح والذم وقبول الإتسان للمدح، ونفرته من الذم نجده في الوصايا يشقق القول حتى لا يرى إنسان أنه ناج من الخلل، ولكنه في نهاياته وضع الضوابط الدقيقة، وفرق بين قلب يأنس بالمدح وينفر من الذم ، وبين قلب يستوي عنده هذا أو ذاك
مخ ۳۶