============================================================
أوتيت حظا من العلم، فما لك والشهرة، والتعرض للفتنة، شأنك والعمل بما قد علمت وبجه، لقد دهه وعرضه للهلاك وما يشعر.
" فعند ذلك ينفرد بعصابة من أكابرهم اتبعوه من أصاغرهم، واعتزل إعجابا بما وصل إليه من العلم والعبادة، وما يشعر بإعجابه، ولا يشك أن الصواب في اعتزاله(1) في قوله وفعله، ولا يعلم ما قد دهي به، فحينثذ يخالف الشيطان بين أهوائهم، ويفرق شملهم، ويشتت جمعهم ويجعلهم أحزابا، ويزين عند كل صنف منهم شأته، ويعيب عندهم أحوال من يخالفهم، فأغوى بضهم بعض، ودل بعضهم على عثرات بعض، ولقن بعضهم حبجا على بعض كهيثة الناصح لهم، فيكيد جميعهم بكائده وما يشعرون وعى القوم يبدون ما في النفوس، ويطلبون العثرات، ويظهرون العيوب، ويتفكهون بالغيبة، ويقولون الزور، ويترامون بالبهتان، ويشد بعضهم على بعض بالعظائم، وينسبه إلى الكفر والضلال، اعاذنا الله وإياكم مما ل بهم وافاض المحاسبي طويلا في أسرار هذا الصدع الذي أصاب مجتمع الإسلام في شخص علمائه، معرضا بالمعتزلة الذين ينطبق نقده عليهم تام الانطياق: فهم الذين اتشقوا إعجابا بأنفسهم، وهم الذين كفر بعضهم بعضا، حتى ألف : المرداد، والجبائي، وجعفر بن حرب، من رؤساء الاعتزال كتابا من تكفير أبي الهذيل العلاف، وكشف فضائحه التي تعتبر بحق ثلما في حصن الإسلام المنيع.
ومن أعجب العجيب أن دعاة التحرر الفكري المشبوه من رجال العلم الرسميين في العصر الحاضر ما زالوا يشيدون بفضل المعتزلة على الفكر الإسلامي- بزعمهم - ويحثون الطلاب على توجيه بحوثهم الجامعية نحو تلك الفرقة الضالة، وكأنهم لم يقرعوا لا نقول كتابا مخطوطا بعيدا عن متناول الأيدي، بل لم يقرعوا كتاب الفرق بين الفرق للبغدادي، الذي سرد من فضائحهم ما كان (1) لعله يعرض با فعله واصل بن عطاء زعيم المعتزلة. فقد كان المؤلف شديد الانكار عليهم
مخ ۳۴