307

============================================================

والحكماء من النجباء، وهم المسارعون من الأبرار، وهم رعاة الليل والنهار(5) ، وأصحاب صفاء التذكار، وأصحاب الفكر والاعتبار، وأصحاب المحن والاختبار(6)، من أسعدهم الله بطاعته، وحفظهم برعايته، وتولاهم بسياسته، فلم تشذ لهم همة ولم تسقط لهم ارادة.

ممومهم في الجد والطلب، وأرواحهم في النجاة والقرب، يستقلون الكثير من أعمالهم، ويستكثرون القليل من نعم الله عز وجل، إن أنعم عليهم شكروا، وإن منعوا صبروا.

يكاد بهيج منهم صراخ الأحزان إلى مواطن الخلوات، ومعادن العبر والأيات والحسرات، قلوبم في تردد، وخوف الفراق في صدورهم يتوقد، اذاقهم الله طعم محبته، ونعمهم بدوام العذوبة في مناجاته، فقطعهم ذلك عن الشهوات، وجانبوا اللذات، وداموا في خدمة ملك الأرض والسموات.

قد اعتقدوا الرضا قبل وقوع القضاء(2)، منقطعين عن اشارة النفوس، منكرين للجهل المأسوس، طاب والله عيشهم، ودام تعيمهم، فعيشهم سليم، وغناهم في قلوبهم مقيم، كانهم نظروا بأبصار القلوب الى حجوب الغيوب، فقطعوا كل محبوب، وصار الله عز وجل هو المنى والمطلوب.

دعاهم إليه فأجابوه بالجد ودوام السير، فلم يقم لهم اشتغال إذا استيقنوا دعوة الجبار. فعندها غابت عن قلوبهم أسباب الفتنة بدواهيها، وظهرت أسباب المعرفة با فيها فصارت مطيتهم إليه الرغبة، وسائقهم الرهبة، وحاديهم الشوق من المحبة، حتى أدخلهم في رق عبوديته، وبصرهم عظيم ربوبيته، فليس تلحقهم فترة في نية، ولا وهن في عزمة، ولا ضعف في خدمة، ولا تأويل في رخصة، ولا ميل إلى دواعي فغرة: (5) رعاة الليل والنهار : جعلوا لكل وقت من الليل والنهار وردا من العبادة والذكر القلبي بحيث لا م عن أعمالهم، ولا يجبهم عن رتهم (6) المحن هنا مقرونة بالعطايا العظام من العلم والمعرفة، لا محن إنتقام مقرونة بالطرد والمقت .

(7) وهومقام العبودية، أما الصبر فمقام من مقامات العيادة

مخ ۳۰۷