212

============================================================

ومنهم من يخفي أمره إيثارا لخمول الذكر، ورغبة في فضل ثواب السر مع طلب السلامة، فأسر احواله بمجهوده، وقد بلغنا أن بعض أهل العلم قال : "ما أحب آن يعرفني بطاعته غيره" .

وبعد : فإن ظهر أمره بمكان، فر بدينه إلى موطن خمول الذكر إن وجد إلى الفرار سبيلا.

متى يباح إظهار العمل : وقد تحدث امور يضطر المرء فيها إلى إظهار بعض قوله لحاجته إلى معرفة ما اضطر إليه، ولحاجة مضطر إليه (1)، فيبدي على الضرورة بقدر الحاجة مستفيدا ومفيدا، يتضرع في خلال ذلك إلى الله عز وجل، في السلامة من فتنة ما ظهر منه، كفعل المحبين لخمول الذكر، فنال ثواب حب الإخمال وثواب السر، ووصل إلى معرفة ما أراد من العلم، وهذا على سبيل السلام من الفتنة، بعصمة الله وتأييده.

ومنهم حفوظ بجواهر الفوائد، مسدد في فعله، طاهر في أحواله مجاتب الآثام واللغو، متبرىء من الأسواء، منزه عن الأدناس، قبض الجوارح عن المهيمنات (2) والتبعات، ورفض الحرام والشبهات، وتطهر من الاغتياب، وتقلل من الشهوات، وإقتصر على البلغة من الأقوات، وجلي الدين عن القلب بالتدبر والاعتبار، فعاين ما في الدارين من الجزاء من السعادة والشقاء، وجد في الهرب فما أبقي، وانكمش في طلب ما رجى، وشغل بهما عن نعيم الدنيا، فاحتمل من أجلها النصب، وتجرع من أجلها المرارة، وجاهد في الله العدو، فلم يصر طرفة عين على معصية علمها، ولم يلبث ساعة في زلة عرفها، فإستغفر من كل سيئة جهلها، ولم يرض من نفسه بالتقصير في رضوان الله، ولم يهمل نفسه فتغفل عن ربها، فإرتقي بعله، وعمل في الوعيد بقلب موقن بوعيد الله، (1) في الأصل: ولحاجة غير مضطر إليه . وهو عكس المعنى المراد : (9) اي : عما يهيمن على النفوس من أدواء خفية وما يؤدي إلى تلك الأدواء

مخ ۲۱۲