ورثه د هېریدلي شاهيانو: له منځه تلونکي دینونه په منځني ختیځ کې
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
ژانرونه
وأيا كان سبب التشابه الثقافي بين الجماعتين، فمن المؤكد أن ماسونيا مثل كارنارفون كان سيكتشف التشابه. ويوجد أكثر من ملاحظة نزيهة في وصفه لارتقاء الدروز نحو الأسرار العليا للعقيدة: «رويدا رويدا، يسمح له بإزاحة الحجب المتتالية التي تخفي السر العظيم ... إنه يتعلم فقط لنسيان ما كان تعلمه من قبل؛ ويصنع، ويسير على أنقاض إيمانه السابق: ببطء، وبألم، وبتشوش يصعد بمشقة كل درجة متتالية من درجات مراسم الانضمام ... ويسمع في كل خطوة - كما لو كان يسخر من أمل العودة - انهيار آخر درجة خطا عليها، وتحطمها في الهاوية التي لا حد لها التي تهيج تحته. حقا لم يتمكن من تسلق هذه المرتفعات الغامضة إلا قلة قليلة.» •••
تساءلت، في قلعة جنبلاط، عن عدد الأسرار التي سأتعلمها. وأثناء قيادة حسن نحوها للسيارة التي كانت تقلني، أبطأ السرعة على نحو يدل على الاحترام. ولاحظت وجود حجر بسيط أمامنا، على جانب الطريق. قال حسن: «إنه نصب تذكاري لكمال بك»، مشيرا إلى كمال جنبلاط، والد وليد («بك» لقب شرفي). توقفت السيارة. وقال حسن : «لقد اغتيل هنا في هذا المكان»، وظل جالسا خلف عجلة القيادة دون حركة، ناظرا إلى الحجر. لا بد أن حسن كان طفلا وقتئذ، لكن نبرة صوته وطريقته أوحتا بأنه قد شهد الواقعة التي كان يصفها. «لم يكن معه سوى حارس شخصي واحد فقط، وكانت سيارته قادمة من الطريق نفسه الذي نحن ماضون إليه الآن. وجاءت سيارة أخرى في الاتجاه المعاكس.» نظرت إلى الأمام، باتجاه المنعطف الحاد التالي، حيث ينحني الطريق إلى الأعلى. قال حسن: «من هناك. وكان بالسيارة مجموعة من الرجال أطلقوا عليه النار وقتلوه.» ولم يذكر من المسئول، لكن من المسلم به عموما أن الرئيس السوري حافظ الأسد هو من دبر الهجوم لمعاقبة جنبلاط على رفضه لمعاهدة سلام بوساطة سورية تهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية بشروط وجد جنبلاط أنها غير مقبولة. تنهد حسن. فقد سقط بطل درزي آخر.
أعاد تشغيل السيارة وصعدنا آخر بضع ياردات إلى قرية المختارة. وأخيرا ألقيت أول نظرة لي على قلعة وليد جنبلاط. كانت عبارة عن مبنى حجري ضخم عسلي اللون، يضم صالونا لتصفيف الشعر ومحل بقالة وحدائق تحظى بعناية جيدة في المستوطنة التي على سفح التل. بعد أن تركت حقائبي في مبنى خارجي، توجهت إلى بوابة حراسة القلعة، حيث جلس الحراس الشخصيون يتجاذبون أطراف الحديث ويشربون القهوة أمام خزانة قديمة ذات باب زجاجي متسخ لمحت من خلاله مجموعة مختارة من البنادق وما يشبه قاذفة صواريخ.
أخيرا ظهرت شخصية مألوفة ذات شعر أبيض أشعث: كان وليد جنبلاط هنا ليأخذني، وكلبه يتقافز خلفه. تجنبت محاولة سؤاله مرة أخرى عن الديانة الدرزية في الوقت الحالي، وبدلا من ذلك تجولت في بيت أجداده مبديا إعجابي. بنيت القلعة بما يمكن تسميته النمط اللبناني الكلاسيكي: سقف من القرميد الأحمر، ومربعات صغيرة من اللونين الأحمر والبرتقالي على الجدران، وأعمدة رفيعة بأسقف مقوسة ومدببة يتدلى من كل واحد منها فانوس. في الفناء - ربما في المكان ذاته الذي شاهد فيه كارنارفون المبارزة - كانت توجد نوافير، وقوصرات فوق النوافذ، وتابوت حجري روماني مزين بمشاهد لباخوس وهو يرقص بين كرمات العنب. كانت الغرف الداخلية أكثر فخامة؛ أرضيات رخامية ضخمة، ونوافير، وأسقف دمشقية منحوتة. وكانت في لوحة ضخمة لحصار لينينجراد، مهداة من الاتحاد السوفييتي، إشارة إلى الجهة التي تحول إليها ولاء الدروز عندما نفد الدعم البريطاني.
أثناء تناول العشاء، حاولت مجددا التحدث عن الديانة الدرزية، ووعدني أن يعرفني على بعض رجال الدين. لكنه فضل أن يتحدث عن السياسة. كانت سوريا تنحدر إلى حرب أهلية، وكان على الدروز هناك أن ينحازوا إلى جانب؛ وقال وهو يحتسي كئوس الفودكا وأكواب القهوة السادة الساخنة للغاية إنه مما أحرجه أنه كان يوجد كثيرون يريدون أن يساندوا الأسد. سألت كيف انتهى الأمر بالدروز في سوريا من الأصل، فقال لي إنهم أجبروا على الفرار إلى هناك عام 1711 نتيجة لصراع داخلي بين الدروز أنفسهم، بين جماعتين تسميان القيسيين واليمنيين. طرد اليمنيون شرقا، إلى ما أصبح فيما بعد سوريا. ويمثل أحفادهم الآن أكبر مجتمع درزي في العالم؛ حيث يعيش معظمهم على هضبة بازلتية تسمى جبل الدروز. انفصل الدروز في إسرائيل (الذين يبلغ عددهم الآن ما يزيد قليلا عن 120 ألفا) عن إخوانهم في لبنان عندما فرضت الحدود الدولية على المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى.
في اليوم التالي، وفى وليد جنبلاط بوعده واصطحبني لمقابلة «العقال» في مأدبة غداء في حديقة أعلى سفح التل. وأدهشني أنه قاد السيارة بنفسه: ألم يقلق من أن يتكرر معه ما قد حدث لوالده؟ قال: «الأمر متروك للقدر.» إن الاعتقاد بأن أحداثا معينة مقدر لها الحدوث ولا يمكن تجنبها هو أمر شائع في الشرق الأوسط (وهو اعتقاد قديم؛ ويعتمد علم التنجيم البابلي على الاعتقاد القائل بأن شئون البشر مقدرة مسبقا). كانت رحلة خالية من الأحداث، باستثناء الناس الذين أخذوا يلوحون لجنبلاط في القرية الوحيدة التي مررنا بها. وعندما وصلنا إلى الحديقة التي كان مقاما فيها الغداء، كان الأمر أشبه بملاقاة محيط من الطرابيش البيضاء والعباءات السوداء: كان يوجد ما يزيد عن مائة شيخ جالسين على طاولات طويلة، يتأملون أطباقا ضخمة من لحم الضأن والأرز. جاء المضيف، الشيخ علي، للترحيب بنا. كان رجلا سمينا ومرحا للغاية، بدا، في ثوبه الدرزي الذي يعود للقرن التاسع عشر المكون من بنطال فضفاض أسود وطربوش عثماني، مثل باشا من فيلم من ثلاثينيات القرن الماضي عن الشرق. قيل لي إنه كان موهوبا بشكل خاص في تنظيم النزهات الخلوية. أستطيع أن أصدق ذلك. ومع ذلك، أثناء تجولي في منزله بعد تناول الوجبة، رأيت صورا على جدار غرفة معيشته أظهرت جانبا آخر من الشيخ. كانت من أوائل الثمانينيات، عندما كانت الحرب الأهلية قد بدأت للتو، وأظهرت الشيخ علي في مرحلة شبابه وهو يدرب الطلاب العسكريين على القتال. في تلك الأوقات كانت الأزمة كبيرة جدا لدرجة أن الشيوخ اضطروا إلى القتال رغم التزامهم بالزهد.
كان الشيوخ حريصين على توضيح أن هذه الممارسة لم تكن عادية - وعادة ما يحرصون على تجنب توريط أنفسهم في أي صراع من أي نوع. قال الشيخ علي: «نحن الشيوخ نعمل من أجل خدمة الناس، والحفاظ على العادات التي تعمل على استمرارية الطائفة، وحفظ كرامة الدروز، وتحول دون الآفات الاجتماعية.» وأضاف، لكن عندما كانت كرامة الدروز على المحك، كان كل شيء مباحا: «نعم، يجب أن ينهض كل شخص في زمن الحرب ويقاتل بالعصي إذا لزم الأمر. فمجتمعنا تدب فيه الحياة في الحرب؛ لقد سئمنا زمن السلم.» ضحكت المجموعة الصغيرة من الشبان المتجمعين حول الشيخ موافقة على كلامه. وأوضح الشيخ علي أن إشارته إلى العصي كان يقصدها بجدية؛ فهكذا حارب الدروز الفرنسيين في عشرينيات القرن الماضي، وتغلبوا على الجنود المسلحين بالسيوف، والعصي، والحجارة قبل الاستيلاء على أسلحتهم وبدء انتفاضة واسعة النطاق. لقد بدأ كل هذا لأن الفرنسيين كانوا قد اعتقلوا أحد ضيوف زعيم الدروز المحلي، الأمر الذي اعتبره الدروز إهانة لكرامتهم.
تحدث معي شيخ آخر، أعور في إحدى عينيه، عن فلاسفة الإغريق. وأخبرني أن العالم المسلم الغزالي، خلال القرن الحادي عشر، قال في مجادلة رائعة بأن الفلسفة متناقضة مع ذاتها. فهي لم تستطع تفسير الله؛ ومن ثم لم تضف شيئا لأولئك الذين درسوها سوى الشك. قاد الغزالي مسألة توجيه التهم الفكرية إلى الإغريق، وتوقف الإسلام السني التقليدي تدريجيا عن أن يستلهم من فلسفة الآخرين. لكن الدروز، المعزولين في قراهم الجبلية والمصرين على ألا يكونوا تقليديين بالفعل، لم يتأثروا بأقوال الغزالي. واستمروا في تبجيل أفلاطون، وفيثاغورس، وأرسطو.
بعد الغداء، عدت إلى بلدة المختارة، وتجولت في الأزقة نزولا على سلالم تتناثر عليها ثمار برتقال سقطت حديثا من الأشجار. مررت بكنيسة، لكن بابها الصغير كان مغلقا. وفي الجوار كان يوجد مطعم صغير كنت جالسا فيه أكتب بعض الوقت قبل أن تدعوني مجموعة من الشباب المبتهجين الجالسين على الطاولة المجاورة للانضمام إليهم لشرب «العرق». قدموا لي الحمص والفتوش. وقالوا: «نتمنى لو كنا نستطيع أن نقدم لك طبقنا المحلي. توجد خنازير صغيرة في التلال يطلق الناس النار عليها، ويطبخونها في النبيذ الأحمر. لكن هذا ليس موسمها.» لا يوجد طبق أشد حرمة في الإسلام من لحم خنزير مطبوخ في نبيذ. كنت أعلم أنهم لا بد أن يكونوا «جهالا»؛ أي الدروز الذين لا يملكون أي معرفة بدينهم ولا يلتزمون بأي تشريعات دينية حاكمة فيما يختص بالطعام.
قالوا: «أخبرنا برأيك في تناسخ الأرواح. هل تؤمن به؟» حاولت أن أرد بلباقة، لكن هذا لم يكن كافيا لهم. قال أحدهم: «لا، إنه حقيقي. لدينا إثبات.» تحدث آخر بصوت عال: «كان بإمكان ابنة عمي عندما كانت طفلة أن تقول كلمات لا يمكن لشخص عادي أن يقولها، وكان بإمكانها فعل أشياء استثنائية مقارنة بسنها.» وروى آخر قصة رجل تذكر أنه قتل في يوم زفافه وكان قادرا على رسم صور للفساتين التي كانت ترتديها النساء الحاضرات. حتى إنه التقى الرجل الذي قتل ذاته السابقة، وسامحه.
ناپیژندل شوی مخ