ورثه د هېریدلي شاهيانو: له منځه تلونکي دینونه په منځني ختیځ کې
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
ژانرونه
كانت إجابات المير لطيفة. أخبرني أن الإيزيديين يريدون العيش بسلام مع كل الأديان والحفاظ على تقاليدهم المتميزة؛ فقد كانت العلاقات مع رجال الدين المسلمين والمسيحيين جيدة، وكانوا يتزاورون في الأعياد؛ ورفض الإيزيديون العمل التبشيري ولم يسعوا مطلقا إلى تغيير ديانة الآخرين. وقال : «في صلواتنا، نطلب الخير للآخرين أولا ، ثم لأنفسنا. فالناس سيحاسبون على أفعالهم، وليس على معتقداتهم. والروح التي نفخها الله في آدم تنتقل إلى كل البشر. لكنها تقمع في الصنف السيئ من الناس، وتتألق في أفضلهم.» بعدما انتهى، نهض الشيوخ الخمسة ذوو اللحى الرمادية وهزوا عباءاتهم، وخرجوا لتدخين السجائر. وأحضر الدجاج المشوي والأرز. وانضم إلينا عياد وطه السائق. لم تكن توجد مقاعد. فأشار المير إلي أن أقف بجانبه. أكل دون أن يتكلم، واضعا يديه على بطنه كلما ترك شوكته وسكينه. ووقف طه، كما رأيت، هناك ولم يأكل شيئا، كما كان قد أخبرني أنه سيفعل.
تركت لالش وبداخلي العديد من الأسئلة التي كانت لا تزال دون إجابة. كان الإيزيديون مدعاة لتساؤلات لا متناهية. مثلا لماذا حرم ارتداء الملابس الزرقاء، أو أكل الخس؟ عندما سألت الإيزيديين عن هذا الأمر، كانت إجاباتهم غامضة، وكان معظمها يشير إلى أن هذه كانت قواعد عقيمة ربما فرضها القادة الإيزيديون السابقون لأن الأتراك المكروهين كانوا يرتدون اللون الأزرق، أو لمجرد أنهم لم يكونوا يحبون الخس. ذكر ميرزا أن تاريخ قاعدة منع الخس ترجع إلى عام 1661 على وجه التحديد. وكنت أكثر ميلا إلى رؤية الجذور القديمة في هذه التقاليد، ورؤية أوجه الشبه بينها وبين الأديان الأخرى في المنطقة. فعند المندائيين، الأزرق هو اللون المرتبط بروها الشريرة. وبين الدروز، كان الأزرق هو لون الجلباب الذي كان يرتديه الشيوخ الذين يحظون بأكبر قدر من الاحترام. وكان لتحريم الخس نظير بين الدروز، الذين يتجنب شيوخهم أحيانا نوعا مماثلا من الخضروات يسمى الملوخية. وكان الحرانيون يتجنبون أكل الفاصوليا. لكني لم أستطع استيعاب من أين أتت هذه التقاليد. وبغض النظر عن مقدار الجهد الذي بذلته، لا تزال العقيدة الإيزيدية تستر على الأقل بعضا من أسرارها. •••
في العالم الحديث، لم يعد بإمكان الإيزيديين الاعتماد على إمكانية فعل ما يحلو لهم. فمع صعود بيروقراطيات حكومية واسعة النطاق وتقنيات حديثة، يوجد الآن عدد أقل من الأماكن التي يمكن للناس أن يختبئوا فيها. وفي بعض الأحيان، تتطور فكرة جديدة عن المواطنة جنبا إلى جنب مع البيروقراطية والتكنولوجيا، وتسفر عن معاملة الأقليات معاملة كريمة عندما لا يعتبروا مصدر تهديد. ولكن عندما يعتبرون تهديدا، أو عندما تبرز أحكام مسبقة قديمة، فإن النتائج تكون دموية وكارثية.
في القحطانية، مسقط رأس ميرزا، في إحدى الأمسيات الصيفية في عام 2007، تجمع حشد من الرجال يرتدون جلابيب قطنية بيضاء مائلة للصفرة وأوشحة رأس باللونين الأبيض والأسود عندما رأوا شاحنة تتجه إلى المدينة. كانوا يأملون أن تكون قد جاءت لتوزيع الطعام. وبدلا من ذلك، أحدثت انفجارا بلغ من قوته أنه هدم منازل، وشتت الناس في الشوارع، وترك جثثا مجردة من ملابسها. كانت الحقائق المجردة مروعة بما فيه الكفاية؛ فقد انفجرت أربع شاحنات، كانت المواد المتفجرة مخبأة على الأرجح داخل أبوابها، مخلفة ما يقرب من ثمانمائة قتيل ونحو ألف وخمسمائة منزل متضرر أو مدمر. علاوة على ذلك، لم تصل قط سيارات الإسعاف والجرافات لأن الطرق كانت تعتبر شديدة الخطورة؛ وعلقت الملابس على العصي بوصفها نصبا تذكارية للأطفال الذين لم يعثر على جثثهم مطلقا. قتل في هذا التفجير أشخاص أكثر من أي هجوم إرهابي آخر باستثناء ذلك الذي استهدف برجي مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر. كان السبب المباشر للتفجير هو مقتل امرأة إيزيدية تدعى دعاء خليل أسود، قتلها أقاربها بسبب رغبتها في الزواج من رجل مسلم. وانتشرت شائعة بأنها اعتنقت الإسلام قبل مقتلها؛ ولذلك اعتبرتها جماعات مختلفة شهيدة مسلمة وبدأت بعد ذلك في تنفيذ أعمال انتقامية ضد الإيزيديين.
ومع ذلك، وقعت هذه الاشتباكات في سياق تأججت فيه عمدا الضغائن بين جميع الجماعات العرقية في المنطقة على يد حكومة صدام، التي حاولت الحفاظ على سيطرتها على السكان بتحريض العرب على الإيزيديين، والإيزيديين على الأكراد. وعلاوة على ذلك، في السنوات التي تلت عام 2003، انتشرت أنواع من الإسلام المتعصب والعنيف، وفقا لدخيل، وهو رجل إيزيدي مسن وبارز. قال لي بحزن ونحن جالسان في البهو الجديد لفندق شيراتون في أربيل إن «الكراهية الدينية» تكمن وراء هجوم القحطانية. «لقد كانت كراهية دينية خالصة.» وقال إنه بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في أواخر خمسينيات القرن الماضي، تعمقت الانقسامات الدينية، لكن هذا كان تغيرا صغيرا مقارنة بتدهور مستوى التسامح الديني منذ عام 2003. وقد ازداد نفوذ المسلمين السلفيين، الأصوليين الذين يريدون محاكاة سلوك المسلمين الأوائل بأكبر قدر ممكن، ويعادون بشكل خاص الجماعات المبتدعة مثل الإيزيديين. لم يكن دخيل متفائلا بشأن المستقبل. كان يظن أن الإيزيديين سيختفون من الوجود يوما ما؛ لأنهم كانوا أقل تنظيما من المندائيين والدروز. كما أنهم كانوا متصدعين جغرافيا. فقد عاش معظم الإيزيديين في العراق في سنجار، غرب أربيل، خارج السيطرة الكردية المباشرة. كانت هذه عادة المنطقة التي كانوا يتمتعون فيها بأقصى درجات القوة، وحيث صمدوا عدة قرون أمام العثمانيين. ويعيش نحو خمسة عشر بالمائة من الإيزيديين حول لالش، شمال أربيل. ويعيش الباقون في أقصى الشمال، حول دهوك.
وأضاف دخيل بتفاؤل أكبر أنه، من الناحية الأخرى، تحسن أيضا مستوى تعليم الإيزيديين. فقبل الحرب العالمية الأولى، لاحظ كاتب بريطاني أن عائلة إيزيدية واحدة فقط يمكنها القراءة والكتابة. وفي أربعينيات القرن الماضي، كان عم دخيل أول إيزيدي على الإطلاق يصبح مدرسا. وفي عام 1973 تخرج أول طبيب في الطائفة. أخبرني دخيل: «يوجد الآن الكثير من الأطباء الإيزيديين في كلية الطب. ويوجد أكثر من ثلاثة آلاف إيزيدي في الجامعة. ليس لدينا طريقة أخرى للبقاء على قيد الحياة إلا من خلال التعلم.» وقد ارتفعت تكلفة المعيشة في المناطق الكردية منذ استقرت المنطقة، مما جذب المهاجرين من بقية البلاد. ولكن وسط الارتفاع العام في الحماسة الدينية في جميع أنحاء البلاد، قلت على العكس حماسة الإيزيديين. وأضاف دخيل: «قبل عشرة أو خمسة عشر عاما في سنجار، كانت عقوبة حلق الشارب هي الإعدام»، مذكرا إياي أن الشارب كان فرضا دينيا على الرجل الإيزيدي. «لم يعد هذا يسري حاليا. ولم يعد الناس يرتدون ملابس خاصة عندما يحجون إلى لالش».
لاحقا، بعدما عدت إلى أربيل، زرت الهضبة الصخرية التي بنيت عليها المدينة في الأصل، والتي تحولت الآن إلى موقع تراثي. نظرت من حافتها إلى الأسفل صوب ساحة جددت حديثا كان يجلس فيها شباب أكراد ويتجاذبون أطراف الحديث حول النوافير. ثم نظرت بعيدا، إلى الأفق الغربي المغطى بالغبار. هناك كانت تقع سنجار. تحدها من الغرب قرى سورية يعيش فيها أكراد، وعرب، وإيزيديون. ووراء ذلك كانت تقع حران والأراضي الواقعة جنوبها، ثم تلال الساحل السوري المشجرة. كانت كل هذه الأراضي تاريخيا ملاذا لأقليات من جميع الأنواع؛ أتباع الديانات القديمة التي تصالحت بطريقة ما مع الإسلام، والمسلمون المبتدعة، والمؤمنون بأديان مزجت تقاليد شعبية قديمة بممارسات إسلامية فنتجت ممارسات هجينة رائعة وغريبة.
تقع تلك المنطقة الآن على أطراف الخلافة الإسلامية المزعومة، التي أعلنتها في عام 2014 جماعة إرهابية تشتهر بوحشيتها وتعصبها الديني. وهذا يضيف إلى المعضلات الفظيعة التي يواجهها الإيزيديون، حيث لم تعد الآن أراضيهم نائية عن جيرانهم. وإلى جانب ذلك، يواجهون التحدي المتمثل في الحفاظ على ديانة سرية، لا تعرف حقائقها إلا طبقة كهنوتية، في وقت يعيش فيه المنتمون إلى العقيدة جنبا إلى جنب مع أتباع ديانات أخرى في مدن وليس في قرى نائية؛ وهو ما يعني أنهم عرضة لأسئلة حول دينهم لا يكونون في الغالب مجهزين بشكل جيد للإجابة عنها. وفيما يتعلق بأولئك الذين انتقلوا إلى خارج البلاد، فليس من السهل أيضا منع الأطفال من الزواج من خارج دينهم أو طبقتهم الدينية.
يواجه ميرزا الآن تلك التحديات؛ لأنه غادر العراق منذ مدة طويلة؛ في عام 1991. كانت حرب الخليج قد بدأت، جالبة معها خطر التجنيد الإجباري في جيش محكوم عليه بالهلاك. وانضم إلى مجموعة ضمت صديقا له يدعى أبا شهاب، كان يحاول الهروب مع جميع أفراد أسرته. عبروا الحدود بين العراق وسوريا من مكان على مقربة من غرب سنجار. كانت أمسية صيفية، وبدأت حرارة النهار الرهيبة تنخفض. وبسبب الحرب، كان انتباه الجيش قد انصرف إلى أماكن أخرى؛ وقل عدد القوات المنتشرة على الحدود بين العراق وسوريا. وبمجرد دخول المجموعة إلى سوريا، كانوا سيتجهون إلى قرية إيزيدية كان أهلها ودودين، ولكنها كانت على بعد أميال، وأثناء عبور تلك الأميال كان عليهم الانتباه تحسبا من وجود ألغام أرضية أو حراس لديهم أوامر بإطلاق النار فور رؤية أي شخص.
بدأ ميرزا السير. وكان ينحني ويزحف حيثما كان يتعين عليه ذلك. وفي منتصف الطريق سمع صوت إطلاق نار. فظن أن أبا شهاب، الذي كان يحاول قطع طريق مواز على بعد ميل مع زوجته وجميع أبنائه، قد واجه مأزقا، وكان ظنه صحيحا. فقد رصد حرس الحدود عائلة أبي شهاب. وصاحوا بتحذيرات ثم بدءوا في إطلاق النار. كان الرصاص على مقربة منهم، وأصيب أحد أبناء أبي شهاب في رقبته. لكنهم بعد ذلك عبروا الحدود ولم يلاحقهم أحد. لم يحتفلوا بذلك طويلا؛ إذ سرعان ما أدركوا أن أصغر طفلين في الأسرة لم يكونا معهم. كان هذان الاثنان يركبان حمارا لأنهما كانا صغيرين جدا على المشي، وبطريقة ما، في خضم التعجل عبر الحدود، لم يلاحظ أحد أن الحمار لم يلحق بهم. قبضت الحكومة على الطفلين وأعادتهما إلى جدهما؛ شريطة أنهما إن هربا، فسيفقد الجد حياته. ولم يرهما أبو شهاب مرة أخرى منذ سبعة عشر عاما.
ناپیژندل شوی مخ