وكان مع عمرو ابن عم له فتى شاب، وكان داهيا حليما (2)، فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى وقال: ألا تخبرني يا عمرو بأى رأى تعيش في قريش ؟ أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك.
أترى أهل مصر - وهم قتلة عثمان - يدفعونها إلى معاوية وعلى حى ؟ وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذى قدمه في الكتاب ؟ فقال عمرو: يا ابن الأخ، إن الأمر لله دون على ومعاوية.
فقال الفتى في ذلك شعرا: ألا يا هند أخت بنى زياد * دهى عمرو بداهية البلاد (3) رمى عمرو بأعور عبشمى * بعيد القعر مخشى الكياد (4) له خدع يحار العقل فيها * مزخرفة صوائد للفؤاد
__________
(1) قال ابن أبى الحديد (1: 138): " تفسيره أن معاوية قال للكاتب اكتب على ألا ينتقض شرط طاعة، يريد أخذ إقرار عمرو له أنه قد بايعه على الطاعة بيعة مطلقة غير مشروطة بشئ.
وهذه مكايدة له، لأنه لو كتب ذلك لكان لمعاوية أن يرجع في إعطائه مصرا ولم يكن لعمرو أن يرجع عن طاعته ويحتج عليه برجوعه عن إعطائه مصرا، لأن مقتضى المشارطة المذكورة أن طاعة معاوية واجبة عليه مطلقا سواء كانت مصر مسلمة إليه أو لا.
فلما انتبه عمرو على هذه المكيدة منع الكاتب من أن يكتب ذلك وقال: بل اكتب: على أن لا تنقض طاعة شرطا يريد أخذ إقرار معاوية له بأنه إذا كان أطاعه لا تقض طاعته إياه ما شارطه عليه من تسليم مصر إليه.
وهذا أيضا مكايدة من عمرو لمعاوية، ومنع له من أن يغدر بما أعطاه من مصر ".
(2) الحليم: ذو الأناة والعقل.
وفي ح: " وكان لعمرو بن العاص ابن عم من بنى سهم أريب ".
وفي الإمامة والسياسة: " وكان مع عمرو بن العاص ابن أخ له جاءه من
مصر ".
وانظر ما سيأتي في س 5 هذه الصفحة من قوله: " يا ابن الأخ " وما سيأتي بعد القصيدة في الصفحة التالية.
(3) أراد: دهى، فسكن آخره للشعر.
وفي ح: " رمى " وكلاهما بالبناء للمفعول.
(4) في الأصح وح: " محشى الكباد "، وإنما يريد أنه يخشى كيده.
مخ ۴۱