د مسیح بل څېره: د عیسی له یهودیت سره دریځ – د غنوصیت پیل
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
ژانرونه
عند هذه المرحلة من بحثنا، تبينت لنا ملامح الوجه الآخر للمسيح، والوجه الحقيقي لرسالته التي ترفض اليهودية والوثنية التقليدية، وتتجاوزهما نحو أرحب الآفاق الإنسانية، ولكن الأرض التي ألقى عليها يسوع نارا لم تحترق تماما إلا مع الغنوصية المسيحية، التي أكملت نصوصها صورة الوجه الآخر للمسيح، وسوف نخصص الفصل القادم لتوسيع ما كنا قد قدمناه في الفصل الثاني بخصوص الغنوصية ونشأة المسيحية.
الفصل الخامس
استطراد حول الغنوصية
في شهر كانون الأول (ديسمبر) من عام 1945م كان فلاحان مصريان يحفران في الأرض، حول صخرة كبيرة تقع عند جبل صخري يدعى جبل الطارف، قرب بلدة نجع حمادي بصعيد مصر، عندما اصطدم معول محمد علي السمان بعقبة صلبة أزاح من حولها التراب، فظهرت له جرة فخارية كبيرة مختومة الفوهة تقادم عليها الزمن، وعندما هم بفتحها تداعت في مخيلته قصص العفاريت القديمة المحبوسة في مثل هذه الأوعية المريبة، فتردد وأحجم، ولكن قصصا أخرى عن كنوز ظهرت من تحت التراب في منطقة وادي الملوك القريبة، جعلت طمعه في الذهب يغلب خوفه من العفاريت، ففتح الجرة ليجد فيها ثلاثة عشر مجلدا من ورق البردي، تناثرت بعض صفحاتها السائبة في الهواء ومعها أحلامها في الثراء السريع، ولكنه بحسه الفطري أدرك أن مثل هذه الأشياء القديمة المدفونة في التراب غالبا ما يكون لها ثمن ما، فحملها على جمله وعاد إلى بيته في الأقصر.
كان محمد علي ملاحقا بتهمة ارتكابه لجريمة ثأر، ولخوفه من اقتحام رجال الأمن بيته والعثور على الكنز، قام بتوزيع محتوياته على عدة أمكنة، واستودع بعضها لدى رجل دين مسيحي هو القمص باسيليوس عبد المسيح، ليحفظها أمانة عنده، وبينما كان محمد علي وأخوه محتجزين رهن التحقيق في جريمة الثأر، زار أستاذ تاريخ يعمل في مدرسة محلية القمص باسيليوس، ورأى عنده واحدا من المجلدات، فشك في أهميته الأثرية، وأقنع القمص بإعارته إياه وأرسله إلى صديق له في القاهرة للتأكد من قيمته، وهنا ابتدأت عملية بيع المجلدات في سوق الآثار السوداء في مصر وتهريب بعضها إلى الخارج، ولكن الإشاعات عن تداول مخطوطات قديمة في السوق ما لبثت أن وصلت أسماع السلطات المصرية التي بادرت إلى البحث عنها ومطاردة المتعاملين فيها، حتى استطاعت أخيرا مصادرة أو شراء معظمها، وإيداعها في المتحف القبطي بالقاهرة، ولم يبق منها سوى المجلد الثالث عشر الذي تم تهريبه إلى الولايات المتحدة وجرى تداوله هناك.
علم أستاذ تاريخ الأديان في جامعة أوتريخت بهولندا جيلز كويسبل
G. Quispel ، وهو باحث مهتم بالغنوصية بوجود هذا المجلد لدى إحدى الجهات في أمريكا، فحث مؤسسة يونغ في زيوريخ على اقتنائه. عندما وصل المجلد إلى المؤسسة، اكتشف كويسبل بعد تفحصه فقدان عدد من صفحاته، فطار إلى القاهرة في ربيع عام 1955م عله يجد الصفحات المفقودة، ويحصل على صور فوتوغرافية لها، تعاون موظفو المتحف القبطي مع الباحث الهولندي فأعاروه صورا فوتوغرافية لعدد من المخطوطات التي عكف على دراستها فورا، لم يتأخر كويسبل كثيرا في التعرف على طبيعة المخطوطات التي بين يديه، وكان إنجيل توما أول ما تعرف عليه بين الصور الفوتوغرافية، عندما قرأ في السطر الأول من المخطوط المدون باللغة القبطية، مثل بقية المخطوطات، ما يلي: «هذه هي الكلمات الخفية التي نطق بها يسوع الحي، ودونها يهوذا توما التوأم»، وكان كويسبل يعرف أن شذرات مخطوط اكتشف عام 1890م وجرى التعرف عليها باعتبارها بقية من إنجيل توما الغنوصي المفقود، تبتدئ بالسطر نفسه، ولكنه الآن أمام النص الكامل لهذا الإنجيل الذي كان معروفا ومتداولا في بداية عصور المسيحية، فتابع بحماس قراءته، ليجد أنه عبارة عن مجموعة أقوال ليسوع بعضها معروف من الأناجيل الأربعة، ولكن معظمها غير معروف، ويرد على لسان يسوع في صيغ ملغزة، كقوله مثلا: «عندما تستولد ما في باطنك، فإن ما عندك سوف يخلصك، ولكن إذا لم يكن عندك ذلك في باطنك، فما تعدمه في باطنك سوف يقتلك» (إنجيل توما الفقرة 70).
لم يكن إنجيل توما سوى واحد من اثنين وخمسين نصا احتوت عليها مجلدات نجع حمادي الثلاثة عشر، وكان إلى جانبه في المجلد نفسه إنجيل فيليب الذي يعزو إلى يسوع أقوالا وأعمالا غير معروفة في الأناجيل الرسمية، على ما نراه في المقطع التالي: «وكانت مريم المجدلية برفقة المخلص دوما، ولكنه كان يحبها أكثر من بقية التلاميذ، وغالبا ما اعتاد تقبيلها، وهذا ما أثار حفيظة التلاميذ فقالوا له: لماذا تحبها أكثر منا؟ فأجابهم: لماذا لا أحبكم مثلما أحبها؟» كما احتوى المجلد على خمسة نصوص أخرى، بعضها يبحث في مفاهيم التكوين الغنوصية مثل «كتاب يوحنا السري» و«طبيعة الأراكنة»، وبعضها يبحث في أصل الروح الإنسانية وغربتها في العالم المادي، ومصيرها، مثل نص «تفسيرات بخصوص الروح».
وهكذا فقد تبين لكويسبل وغيره من أوائل الباحثين الذين سمح لهم بالاطلاع على وثائق نجع حمادي، أن الكنز الذي اكتشفه الفلاح الصعيدي محمد علي السمان، كان عبارة عن مكتبة احتوت على ترجمات قبطية جرى إعدادها قبل ما ينوف عن ألف وخمسمائة سنة، عن نصوص يونانية أقدم منها تعود إلى مطلع العصور المسيحية، تشتمل على أناجيل وأدبيات غنوصية أخرى، فإلى جانب إنجيل توما وإنجيل فيليب، هنالك إنجيل الحقيقة، وإنجيل المصريين، وهنالك نماذج من الأدب الرؤيوي مثل رؤيا بولس، ورؤيا بطرس، ورؤيا آدم، ورؤيا يعقوب، وهنالك نبذات عن أعمال الرسل، مثل أعمال بطرس وأعمال بطرس والرسل الاثني عشر، وهنالك أساطير في التكوين مثل كتاب يوحنا السري، وطبيعة الأراكنة، وحول أصل العالم، وهنالك رسائل ومقالات في مسائل دينية شتى، وباختصار، فإننا أمام «عهد جديد» موسع لم نكن نعرف عنه إلا القليل.
أما بخصوص تاريخ هذه الوثائق القبطية ، فهنالك اتفاق بين الباحثين على أنها تعود إلى الفترة ما بين 350 و400 ميلادية، ولكن الخلاف نشأ بينهم بخصوص تاريخ كتابة النصوص اليونانية الأصلية، علما أن الغالبية منهم ترى أن معظمها قد دون خلال النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، وهي الفترة التي شهدت ميلاد الطوائف الغنوصية الرئيسية، ونشاط المعلمين الغنوصيين الكبار، وفيما يتعلق بإنجيل توما بشكل خاص، فإن كويسبل والذين عملوا معه على تحقيق وترجمة ونشر أول نص كامل له، يرون أنه دون باليونانية نحو عام 140 ميلادية، ولكن هنالك من الباحثين من يرى أن النص الذي تم جمعه في ذلك التاريخ هو تحرير لعمل أقدم منه، ربما يرجع إلى فترة تدوين الأناجيل الأربعة، أي إلى الفترة ما بين 50 و110م.
ناپیژندل شوی مخ