وما يسوءني أن يكون الأمر كذلك، فنحن جميعا إخوان، ولكن الواقع يشهد بغير ذلك، الواقع يشهد أن أدباء مصر هم اليوم حماة اللغة العربية، وأقطاب الأدب والبيان، وتفوق الأدباء المصريين ليس مغنما لمصر وحدها، وإنما هو مغنم لجميع الأمم العربية، فإن استطاع لبنان أن يقدم للعروبة أدباء أعمق من أدباء مصر فسأكون أول المرحبين، ولكن مصر بحيويتها العلمية والأدبية والفنية ستظل مرفوعة العلم شامخة البنيان.
وأؤكد لك يا صديقي أن مصر تعرف جيدا ما هي مقبلة عليه، هي تفهم أن المجد الأدبي يقدم له وقود هائل من الجهد والمال، وهي من أجل ذلك تحض أبناءها على الجهاد الموصول في سبيل الحياة العلمية والأدبية والفنية، وهي تعمل ما تعمل في سكون، وتترك الأقاويل والأراجيف لمن لا يعرفون قيمة الأخوة العربية.
هل تصدق أيها الأخ أن وقتي في العراق يضيع منه جزء ثمين في دفع المفتريات التي تصوب إلى مصر بلا حساب؟
أحب أن أعرف ما هو الموجب للتحامل على الأدباء المصريين وهم يقذفون أبصارهم تحت المصابيح في خدمة اللغة العربية.
أحب أن أعرف ما هو الموجب للحقد على مصر في بلد مثل لبنان، وقد كانت مصر هي الملاذ للمضطهدين من أحرار الفكر في لبنان.
أما بعد، فإن بعض أصحاب الأهواء يسوءهم ثم يسوءهم أن يقال إن مصر لها الزعامة الأدبية، وأنا أقول بصوت جهوري يسمعه من في القبور: إن الأمم العربية لم تتصدق على مصر بالزعامة الأدبية، وإنما هي مجد غنمه المصريون بفضل ما قدموا من الجهود في نصرة اللغة العربية، ونحن على أتم استعداد لأن نقدم الراية لمن ينفقون من أعمارهم بعض ما ننفق في سبيل لغة الضاد.
فلتسمع هذا الكلام مجلة المكشوف، ولتفهم جيدا أن أدبي لا يسمح بمجاراتها في ميدان الهجاء؛ لأن لي في لبنان إخوانا كراما يؤذيهم أن تعثر قدمي في هذا الميدان، وأنا لا أنظر إلى الساعة الحاضرة، وإنما أتمثل المستقبل المشرق الذي ترفرف فيه راية العروبة الغالية، وذلك أمل أراه برعاية الله سهل المنال.
أكتب هذا إليك وأنا أرجو أن لا تعلق عليه بما يؤذي إخواني في لبنان، ولمجلة المشكوف أن تعلق بما تشاء، فليست أول مجلة آذتني، ولن تكون آخر مجلة تؤذيني بالظلم المبين.
وسبحان من لو شاء لهدانا جميعا إلى سواء السبيل.
الفصل الثاني والأربعون
ناپیژندل شوی مخ