فالتفت سليم وكليم وصاحا: هذا صاحبنا، ما جاء به؟! أما مخلوف فإنه لم يهمه شيء من كل ذلك، بل إنه لما رأى الجموع قد فرت من وجهه، وتركت الخواجه لوقا مشغولا بإصلاح ملابسه، هجم عليه كالذئب وأخد بخناقه.
فحينئذ خرج من فم الوحش البشري القادم وفي يده بندقية - صوت أجش سمعه القارئ قبل الآن في رأس القضيب، وهو صراخه: الوحش الوحش الوحش، ثم سدد بندقيته نحو مخلوف ليطلقها عليه.
فعلم سليم وكليم أن صاحبهما ملك رأس القضيب سيقتل مخلوف ولوقا معا إذا لم يدخلا بينهم لاعتباره أن مخلوف ظالم عاد، كما كان يقتل الحيوانات التي تعتدي على رفاقها، فدخل سليم وكليم حينئذ بين الفريقين، وواريا مخلوف ولوقا وراءهما، وصاح كليم: يا عم! دعه فنحن نؤدبه ونأتيك به.
وكان مخلوف وخصمه يتصارعان حينئذ بقوة هائلة، والناس لا يجترئون على الدنو منهما للدخول بينهما، ولكن حانت من مخلوف التفاتة، فأبصر ذلك الوحش البشري ينظر إليه وبندقيته مسددة نحوه، فانتبهت فيه عاطفة الحرص على البقاء، فترك خصمه وخطا خطوتين نحو الشيخ الهائل غضوبا، فتبعه سليم وكليم لئلا يقتله الشيخ.
ولكن ما تقدم مخلوف بضعة أمتار حتى وقف مدهوشا هذه المرة أيضا، وصرخ صرخة دوت لها الجبال، ثم هجم على الشيخ صائحا: متى حاروم، حنا حاروم ... جئت في وقتك ... وفي يدك بندقيتك ... انظر صاحبك لوقا طمعون ...
فلما سمع الشيخ الهائل اسم (لوقا طمعون) ظهرت الرعدة في جسمه، وجحظت عيناه واصطكت ركبتاه، فهجم كالذئب نحو لوقا، وإذ عرفه زمجر كالأسد صائحا: يا لعيني إميليا ... حقا لقد انتهى. ثم سدد البندقية نحو لوقا وأطلق النار عليه.
وكان أمين في تلك الساعة قريبا من لوقا، فلما أبصر الشيخ يسدد بندقيته إليه ويطلقها عليه صاح من صميم قلبه: آه، لست أرضى عن انتقام كهذا. ثم سقط على الأرض مغمى عليه.
فصاح سليم وكليم وحارا فيما يفعلان، أيسرعان لإغاثة أمين؟ أم لإنقاذ لوقا؟ فانفرد سليم وهرع نحو أمين، وأسرع كليم إلى الشيخ، وكانت البندقية لم تنطلق من حسن الحظ؛ لأن الضباب كان قد رطب بيت البارود.
وكان الشيخ حين رأى أن بندقيته لم تنطلق قد هجم على لوقا طمعون، فتبعه مخلوف هاجما لهجومه.
فكل من رأى ذئابا تهجم وأسودا تثب وضباعا تغضب يمكنه أن يتصور هجوم هذين التعيسين على ذلك التعيس.
ناپیژندل شوی مخ