فثاب الرشد حينئذ إلى سليم وكليم وتحركت نفسهما للدخول في الحديث معه، فأجابا: نحن نتصيد وقد فاجأنا الضباب وأدركنا الجوع، فهل لديك طعام؟
فقال الرجل: عندي طعام، ولكن لماذا دخلتم إلى هنا من غير إذن مني؟
فقال سليم: كنا قادمين لاستئذانك، فالحمد لله أننا لقيناك هنا.
فقال الرجل: فإياكم مرة أخرى أن تدخلوا هذا المكان من غير إذني.
فأجاب سليم وكليم: أمرك يا عم.
وفي هذا الحين هبت ريح شديدة من جهة الشرق، فكنست الضباب عن الجبل ودفعته إلى جهة الأرز، فانجلى المكان للأنظار، فوجد سليم وكليم نفسيهما في واد صغير واسع الأديم، وعليه في جانبه العالي كوخ صغير مستور عن الأنظار لأنه على مساواة الجبل.
فمشى الرجل الهائل نحو الكوخ قائلا: تعالوا لأطعمكم. فخيل لسليم أنه قال: تعالوا لأكلمكم. لأنه خاف عاقبة السير معه إلى حيث يقصد، وذكر في تلك اللحظة حكايات الغول والجن التي سمعها في صغره من العجائز والشيوخ، وكيف أنها تأكل الناس، فقال لرفيقه مازحا في إبان الخطر إظهارا للقوة: ما جئنا نسمن أجسامنا في الأرز لكي نجعلها طعاما لوحش كهذا الوحش.
وكان الرجل الهائل قد بلغ كوخه في طرف الوادي ودخله، ثم خرج ومعه بيضتان وكسرتا خبز، فوضعهما على حجرين بإزاء الكوخ، وأومأ إلى الرفيقين قائلا: تعالوا كلوا.
وكان سليم وكليم لا يزالان جامدين في مكانهما يتشاغلان بإصلاح ملابسهما، فلم يريا مناصا من إجابة الرجل إلى دعوته، فتقدما نحو الحجرين بجانب الكوخ وجلسا، أما الرجل فإنه جلس بإزائهما بعيدا عنهما نحو ثلاثة أمتار.
فحدق به الرفيقان هذه المرة جيدا فذهب عنهما حينئذ شيء من الجزع والخوف، فإن ذلك الرجل كان إنسانا لا يختلف عن باقي البشر، إلا بكونه يلبس رداء مصنوعا من جلود الغنم إلى ركبتيه، وليس على جسمه لباس غيره، وكان وجهه محاطا بشعر كثيف طويل شاب أكثره، ولكن في عينيه وملامحه دلائل الهدوء والتأمل والانكسار. وما هذه بعلامات الوحوش أو قطاع السبيل؛ فسكن حينئذ بال الرفيقين، وقال سليم لكليم: هلم ندخل معه في الحديث، فإنني أرى لهذا الرجل شأنا يذكر.
ناپیژندل شوی مخ