3
وبعضهم يموت؛ ولذلك سموه (داء الإنسانية)، وفي فرنسا وحدها فقط يموت به في كل عام 150 ألف شخص، أما سبب هذه الآفة فهو الإفراط في كل شيء، الإفراط في السكر، الإفراط في الزواج، الإفراط في التعب والهم، الإفراط في السهر، وسوء المعيشة وقلة الغذاء وفساد الهواء ... إلخ. ويقولون إنه ينتقل بالوراثة، وهذا رأي ضعيف، وكأن آفة السل تمثال أسود للشقاء والعذاب منصوب في ساحة تؤدي إليها كل طرق الشقاء والغلو والإفراط والفساد.
أما دواء هذا الداء فبسيط جدا، وأنا أحب أن ينادى على السطوح على مسمع من جميع المرضى المساكين أن داءهم قابل للشفاء خلافا لما بلغهم، بل إن شفاءه أسهل من شفاء الحمى التيفوئيدية والجدري وغيرهما، ولكن على شرط أن يتدارك من أول ظهوره، فقولوا للمرضى به: لا تحزنوا ولا تخافوا، إن داءكم بسيط إذا أحسنتم مداواته، ولكن إذا أهملتموه قضي عليكم لا محالة.
وإن قيل: كيف تحسن مداواته؟ فالجواب: لا دواء له غير شيء واحد، وهو (الهواء النقي والغذاء الكافي)، أما ما يقال عن العلاجات والأدوية فهو كله تدجيل في تدجيل، وكثيرا ما تناول المصدورون أدوية فنفعتهم شهرا أو شهرين ثم انتكسوا بعد ذلك من فعل الأدوية، وانتهى أجلهم.
4
فترك الدواء إذا هو كل الدواء، ومعرفة وقت ابتداء الداء هي السر الوحيد في الشفاء.
ولا ينبغي للمسلول أن ييأس من شفائه أبدا؛ فإن بعض الأطباء داوى بعض المرضى بالسل 20 سنة، وكانوا ينفثون الدم مع البلغم، ومع ذلك رزقوا أولادا وعاشوا عمرا طويلا، ولكن المسلول العازب عليه أن لا يتزوج، وإن تزوج ولم يكن (حكيما) غلبه داؤه.
أما النساء المسلولات فالحبل فقط يضرهن ضررا شديدا ويغلب داءهن عليهن، ومن ذلك كله يظهر أن الاعتدال وحسن المعيشة في الهواء النقي الجاف في الجبال مع قليل من الرياضة الخفيفة هي الدواء الوحيد الشافي من هذا الداء.
وما أتى سليم على هذا الكلام حتى نظر أبو مرعب راكضا نحو الحرش ينهب الأرض نهبا؛ فاشرأبت إليه الأعناق وقال كليم: خير إن شاء الله ما وراء أبي مرعب! ولما وصل أبو مرعب صاح وهو يلهث تعبا: هل بلغكم الخبر؟ فقالوا: ماذا؟ فقال: قد وجدنا كنزا. فقال سليم: وما هذا الكنز؟ فقال أبو مرعب لاهثا: كنز عظيم. فقال كليم: فأخبرنا ما هذا الكنز؟ فجلس أبو مرعب وقص عليهم ما يلي:
كنت الآن هناك مع ترجمان الجماعة، وإذ كنت أسأله عن المستر كدن، نكدن، كيف يلفظ اسمه؟ فأجاب كليم: (كلدن). فقال: تمام (كلدن)، فأجابني الترجمان أنه غني عظيم تقدر ثروته بخمسين مليون ليرة، وإذ كنت أسأله عن أخلاقه وصفاته أخبرني خبرا غريبا، فقال لي: إن هذا الرجل يخرج في السنة مرة من بيته في شيكاغو إلى المدينة وجيوبه ممتلئة بأوراق البنك، ولا يزال يوزع منها على الذين يجدهم في طريقه حتى تنفد، فربما وزع مليون فرنك في ذلك النهار؛ ولذلك يسميه الناس نهار كدن ... نكدن، كيف اسمه؟ فقال سليم ضاحكا: (كلدن). فقال أبو مرعب: نعم نعم (نهار كلدن)، وقد أخبرني الترجمان أن الذي ابتكر هذه الطريقة وحثه عليها شاب مستخدم في محله يدعى (المستر كرنيجي)، وكثيرا ما يرافقه في ذلك النهار، فما قولكم إذا جاء صاحب الملايين غدا وعلم بأنني أنقذت رجال حاشيته، ألا (يفتح يده) ويرينا جوده وكرمه؟
ناپیژندل شوی مخ