وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
ژانرونه
إن فينا قوما تملكهم «إرهاب معجمي» و«سادية لغوية»، يقومون من زمن بوظيفة شرطة لغوية مولعة بتحرير المخالفات، وبلعبة قل ولا تقل، ينصبونها للتسلط والتسلي، «كفعل الهر يحترش العظايا!» ويغالون في ذلك إلى حد «تصحيح الصحيح»! يظن هؤلاء أنهم يحسنون إلى اللغة وهم يؤذونها غاية الإيذاء وينشرون فيها الفوضى والاضطراب، ويبثون في الناس اليأس من الفصحى والانصراف عنها، وها هي العربية تحتضر على أيديهم الخشنة، وليس موت اللغة سوى أن تهجر اللسان. يظن هؤلاء أنهم يصلحون اللغة وهم يهزون القارب وينخرون فيه نخرا منكرا. لقد أضلتهم القواعد (البعدية) فسلبتهم السليقة (القبلية)، وكأنا بالذيل يهز الكلب وبالعربة تتقدم الحصان.
لماذا كان العربي القديم يتكلم بسجية تعنو لها القواعد وتأتي بعدها ووراءها وعلى قدها، حتى لقد شرع السماع وأصبح الذوق قواعد، بينما قلبنا نحن الآية وبدأنا بالقواعد نتحنث في محرابها ونطوع لها الذوق، حتى ضجر الناس من العربية، وانفضوا عن الخطأ والصواب، وفقدوا الذوق والقواعد؟! •••
إن اللغة لفي سيرورة دائمة وتحول دائب، وهناك ألف سبب يلح على الألفاظ أن تخرج من جلدها وتكتسي معاني جديدة غير ذات صلة بمعناها القديم. وما دامت اللغة في تغير مستمر فمن الطبيعي أن تواكبها في ذلك علوم اللغة المنوط بها رصد الظاهرة اللغوية وضبط حركتها، وأن يكون نهج العلوم اللغوية توترا محسوبا بين «المعيارية» و«الوصفية»: معيارية تصون اللغة من التحلل والانهيار، ووصفية تفتح لها آفاقا للتطور والارتقاء.
51
الفصل السابع
الماهوية في علم التصنيف1
يمكننا تحديد عام 1543م كبداية للثورة العلمية الحديثة، حيث نشر عمل كوبرنيكوس في الفلك وعمل فيزاليوس في التشريح، وخلال أقل من مائة عام بلغت الفيزياء الكلاسيكية موسم إثمارها في كتاب نيوتن «المبادئ»
، بينما لم يتم أي إنجاز نظري في البيولوجيا يضارع إنجازات الفيزياء. ولم تبلغ البيولوجيا سن الرشد حتى مجيء القرن التاسع عشر مع أعمال داروين ولا مارك في التطور، وأعمال مندل في الوراثة، وباستير في البكتريا، وشليدن وغيره في نظرية الخلية. أما في علم التصنيف
taxonomy
فكان مسير الثورة العلمية أبطأ حتى من ذلك. ورغم بعض تقدم حققه كارولوس لينيوس وجون راي في ميثودولوجيا علم التصنيف فهما لم يقدما إسهامات مهمة لنظرية التصنيف كما ابتكرها أرسطو. وبينما تخلفت البيولوجيا عن الفيزياء في التخلص من التأثير السكولائي فقد تخلف علم التصنيف وراء غيره من العلوم البيولوجية في هذا الشأن. وعلى العكس من الرأي الشائع؛ فإن هذه العملية في الحقيقة أبعد ما تكون عن التمام. والآن فقط يبلغ علم التصنيف مرحلة من النضج تضاهي نضج الفيزياء منذ 300 عام مضت، أو تضاهي غيره من العلوم البيولوجية منذ خمسين أو مائة عام. فما السبب؟
ناپیژندل شوی مخ