91

لما دخل الحظيرة كي يلقي نظرة على الخيول، أول مخلوقين وقعت عيناه عليهما كانا هما البغلين الضخمين اللذين كانا السبب في الحادثة الكبيرة التي تعرض لها؛ وجدهما واقفين في الإسطبل بجانب الباب. خطر على بال كلود أن هذين الحيوانين الضخمين هما اللذان قررا مصيره في واقع الأمر. لو لم يندفعا به ويلقياه عند السياج السلكي في ذلك الصباح، لما أسفت عليه إنيد وأتت كي تراه كل يوم، ولربما اختلفت مجريات حياته. ربما لو كان الكبار أصدق قليلا، ولم يتعلم الفتى تقدير الصفات التي يمكن أن تجعله غير سعيد بالمرة في المرأة ... ولكنه هناك نأى بنفسه عن مشاعر التحسر هذه. ولكن أليس يتناسب مع حاله تماما أن يجره إلى الزواج زوجان من البغال؟!

ضحك لما نظر إليهما. «أيها الشيطانان الكبيران، إنكما قويان بالقدر الكافي كي تحيكا مثل هذه الخدع في حق الأشخاص الأغرار أعواما قادمة. يا للخسة التي تملأ كلا منكما!»

هز أحد الحيوانين أذنه، وأطلق صوتا مهددا من حلقه. تتمتع البغال بعاطفة قوية، ولكنها تكره المتغطرسين، كما أنها أعداء الطبقات الاجتماعية، وبدا دائما أن هذين البغلين اكتشفا في كلود ما اعتاد والده على تسميته ب «كبريائه الزائف». عندما كان فتى صغيرا، كانا مصدر إهانة بالنسبة إليه بسبب النهيق والوقوف فجأة في الأماكن العامة؛ إذ كانا يحاولان جذب الانتباه في مخزن الأخشاب أو أمام مكتب البريد.

في المعلف الأخير، وجد كلود الفرسة مولي العجوز؛ الفرسة الرمادية ذات الساق العرجة التي نما لها حافر آخر مكان حافرها الذي سقط، وهو إنجاز لا تستطيع العديد من الخيول التفاخر به. كان متأكدا من أنها تعرفت عليه؛ تحسست بأنفها يده وذراعه، وأزاحت شفتها العلوية لتكشف عن أسنانها المتهالكة الصفراء.

قال وهو يربت عليها: «لا يجب أن تفعلي ذلك يا مولي. يمكن للكلب أن يضحك، ولكن هذا يجعل منظر الحصان يبدو مضحكا. يبدو لي أن دان لا ينظفك إلا نحو مرة واحدة في الأسبوع!» أخذ محسة من مكانها خلف إحدى العوارض، وبدأ يحك بها جلدها العجوز. شعرها الأبيض كان مرقطا في كل أنحائه بخطوط صغيرة بلون الصدأ، مثل الحبر الهندي الذي يوضع على فرشاة ناعمة، وتحول لون عرفها وذيلها إلى الأصفر المائل إلى الأخضر. لما كان كلود يحك وركيها الثقيلتين المستديرتين، قال إنه لا بد أنها بلغت الثامنة عشرة من عمرها. اعتاد كلود ورالف أن يمتطياها عند الذهاب إلى عائلة يودر لما كانا طفلين حافيين؛ إذ كانا يوجهانها باللجام الحبلي، ويركلان المهر الطويل الساقين الذي كان يمشي معها دائما.

لما دخل المطبخ وطلب من ماهيلي ماء دافئا كي يغسل يديه، نهرته باستنكار. «عجبا يا سيد كلود، كنت تنظف تلك الفرسة العجوز، والتصق الشعر الأبيض في جميع أنحاء ملابسك العسكرية. الشعر يغطيك بالكامل!»

إذا كان زيه العسكري يثير المشاعر لدى أصحاب العقول الرزينة، فإنه كان بمنزلة تعويذة سحرية ألقيت على رأس ماهيلي. لقد انبهرت به كثيرا لدرجة أنها لم تتمكن، طوال الوقت الذي كان فيه كلود في المنزل، من إمعان النظر فيه بالتفصيل ولو مرة. فقبل أن تجتاز غطاءي الساقين، كانت تتشوش قدرتها على الملاحظة من الذهول، ويبدأ عقلها يهتاج مثل قرد في قفص. توقعت أن يكون زيه أزرق اللون مثل زي الجنود الذين كانت تتذكرهم؛ ولما دخل المطبخ في الليلة الماضية تعرفت عليه بصعوبة. وبعدما شرحت لها السيدة ويلر أن الجنود الأمريكان لا يرتدون الزي الأزرق الآن، قالت ماهيلي لنفسها أكثر من مرة إن تلك الملابس البنية لا يظهر الغبار عليها، وإن كلود لن يشبه أبدا الرجال ذوي الثياب الرثة الذين اعتادوا التوقف والشرب من ينبوع والدتها. «إنهم يرتدون أغطية الساق الجلدية لمنع الشوك من الالتصاق بهم، أليس كذلك؟ أعتقد أنه يوجد شوك كثير للغاية هناك، مثل معترشات العليق الطويلة في حقول فيرجينيا. تقول والدتك إن الجنود أصابهم القمل الآن، كما حدث في حربنا. ما عليك سوى أن تحمل زجاجة صغيرة من زيت الفحم في جيبك، وتدهن بهذا الزيت رأسك بالليل. إنه يمنع بيض القمل من الفقس.»

فوق برميل دقيق في الزاوية، علقت ماهيلي بمسمار ملصق للصليب الأحمر؛ الملصق كان عبارة عن رسم بالفحم لسيدة عجوز تنقب بعصا في كومة من الجبس والأخشاب الملتوية التي كانت منزلها يوما ما. ذهب كلود كي ينظر إليها وهو يجفف يديه. «من أين أتيت بتلك الصورة؟» «إنها من المكان الذي أنت ذاهب إليه يا سيد كلود. إنها هنا تبحث عن شيء تطهو به؛ لا يوجد موقد ولا أطباق ولا أي شيء ... لقد تحطم كل شيء. أعتقد أنها ستسر بشدة لرؤيتك.»

سمع وقع أقدام ثقيلة على السلم، فهمست إليه ماهيلي على عجل: «لا تنس زيت الفحم، ولا تترك القمل يسرح في جسدك إن كان بإمكانك أن تتخلص منه يا عزيزي.» لقد كانت تعتبر الحديث عن القمل مثل قول النكات البذيئة؛ أي إنه من الأشياء التي يتحدث عنها همسا.

بعد الإفطار، خرج كلود مع السيد ويلر إلى الحقول، حيث وجدا رالف يوجه عمال الحصاد. وقفا يشاهدان ماكينة الحصاد الحازمة لمدة، ثم ذهبا كي يلقيا نظرة على أكوام القش والبرسيم الحجازي، ثم مشيا بطول حافة حقل الذرة، وتفحصا العيدان اليانعة. أرى السيد ويلر كلود المزرعة، وشرح له تفاصيلها كأنه غريب؛ الفتى ساوره شعور غريب، ووالده يعرفه على تلك الأفدنة التي كان يعمل فيها كل صيف منذ أن كبر بالقدر الكافي، واستطاع حمل المياه إلى عمال الحصاد. أخبره والده عن مساحة الأرض التي يمتلكونها وعن قيمتها، وأنها ليست قيد رهن باستثناء رهن بسيط على قطعة واحدة، تم عندما استحوذ على مزرعة كولورادو.

ناپیژندل شوی مخ