سأل رالف مندهشا: «هل حزمت أغراضك في الحقيبة؟» «تقريبا. أرجو أن تتفقد كل الأغراض وتجعلها تبدو بنحو أنيق أكثر، إن استطعت. لا أحب أن ترى الفتاة ما بداخل تلك الحقيبة وهي على هذا الوضع. أين سأضع سجائري؟ أينما تكون، ستغير رائحة كل شيء يوضع معها. يبدو أن كل ملابسي تفوح منها رائحة الطهي أو النشا أو شيء من هذا القبيل.» وأنهى كلامه بمرارة قائلا: «لا أعلم ماذا تفعل ماهيلي بها.»
بدا الغضب على وجه رالف. «يا له من جحود! ظلت ماهيلي تكوي قمصانك القديمة اللعينة لمدة أسبوع!» «نعم، نعم، أعلم. لا تزعجني. نسيت أن أضع أي مناديل في صندوقي؛ ولذا عليك أن تضع المجموعة كاملة في مكان ما.»
ظهر السيد ويلر عند المدخل لابسا سرواله الأسود المخصص للمناسبات، المرفوع لأعلى بحمالات فوق قميص أبيض، وتنبعث رائحة فواحة مستخلصة من أوراق شجرة الميريقة وشراب الرم من شعره المتدلي. كان يمسك ورقة مطوية رفيعة بلطف بين أصابعه السميكة. «أين دفتر فواتيرك يا ولدي؟»
تحسس كلود سرواله، وأخرج شيئا مربعا من الجلد من الجيب. أخذه والده ووضع قصاصة الورق بداخله مع النقود. قال: «قد ترغب في شراء بعض الأشياء لزوجتك. هل تحتفظ بتذاكر القطار هنا؟ ها هو الإيصال الخاص بصندوق أمتعتك الذي أحضره دان. لا تنس أني وضعته مع التذاكر وكتبت عليه الحروف الأولى من اسمك بحيث تميزه عن ذلك الخاص بإنيد.» «نعم يا سيدي. شكرا لك يا سيدي.»
سبق أن سحب كلود كل الأموال التي سيحتاج إليها من البنك. هذا الشيك البنكي الإضافي كان إعرابا من جانب السيد ويلر عن اعتذاره عن بعض الملاحظات الساخرة التي تلفظ بها منذ عدة أيام لما عرف أن كلود حجز مقصورة نوم في قطار دنفر السريع. كان كلود قد أجاب عن تلك الملاحظات باقتضاب قائلا بأن إنيد ووالدتها دائما ما تذهبان إلى ميشيجان في مقصورة نوم، وأنه لن يطلب منها أن تتخلى عن مستوى السفر المريح الذي اعتادته.
في الساعة السابعة، انطلقت عائلة ويلر في السيارتين اللتين كانتا تقفان منتظرتين بجوار طاحونة الهواء. قاد السيد ويلر السيارة الكاديلاك الكبيرة، وأخذ رالف ماهيلي ودان في السيارة الفورد. عندما وصلوا إلى منزل الطاحونة، وجدوا الساحة الخارجية مليئة فعلا بالسيارات، والشرفة وصالتي الاستقبال مكتظة بالناس الذين يتحدثون ويتمشون.
صعد كلود إلى الطابق العلوي مباشرة. بدأ رالف في إجلاس الضيوف، ورتب الكراسي القابلة للطي بحيث تترك ممرا من أسفل السلم إلى قوس الزهور الذي أنشأه في الصباح. كان القس يقف تحت الضوء وفي يده الكتاب المقدس خاصته الذي أخذ يبحث فيه عن الإصحاح المراد. كانت إنيد تفضل أن يأتي السيد ويلدون من لينكن كي يعقد زواجها، ولكن هذا من شأنه أن يجرح السيد سنوبيري جرحا بليغا. ففي النهاية، إنه الكاهن الراعي لها على الرغم من أنه لم يكن مفوها ومقنعا مثل آرثر ويلدون. كانت حصيلته اللغوية الإنجليزية أقل من غيره، حتى إن تلك الحصيلة لم يكتسبها بسهولة. لما كان على منبره، كان يحاول ويجاهد أن يتلفظ بتلك الكلمات حتى تتساقط حبات العرق من جبينه وتقع على لحيته البنية الخشنة والملبدة. لكنه كان يؤمن بما يقوله، واللغة في نظره إنجاز ضئيل لدرجة أنه لم يكن يميل إلى قول أكثر مما كان يؤمن به. كان فتى يقرع الطبول في الحرب الأهلية - لكن مع الجانب الخاسر - وكان رجلا بسيطا وشجاعا.
كان على رالف أن يكون المرشد والإشبين في آن واحد. لم تتمكن جلاديس فارمر من أن تصبح ضمن وصيفات العروس؛ لأنها كانت ستعزف موسيقى حفل الزفاف. في الساعة الثامنة، نزل كلود وإنيد معا يتقدمهما رالف ويتبعهما أربع فتيات يلبسن فساتين بيضاء مثل العروس. أخذ العريس والعروس مكانهما تحت القوس أمام الكاهن. بدأ الكاهن بإصحاح من سفر التكوين عن خلق الإنسان وعن ضلع آدم، وأخذ يقرأ بصعوبة، وكأنه لم يكن يعلم تمام العلم السبب الذي دفعه إلى اختيار هذا المقطع، وكان يبحث عن شيء ولم يجده. ظلت نظارته الأنفية تسقط وتقع على الكتاب المفتوح. وفي تلك المدة الطويلة من التلعثم، وقفت إنيد هادئة ناظرة إليه باحترام، وتبدو جميلة جدا في غطاء وجهها القصير. كان كلود شاحب الوجه جدا لدرجة أنه بدا غير طبيعي؛ إذ لم يره أحد بهذا النحو من قبل. ووسط الملابس السوداء جدا والشعر الناعم الأصفر، بدا وجهه شاحبا وصارما، وتكلم بصوت غليظ في ردوده. كانت تقف ماهيلي في نهاية الغرفة، لابسة قبعة سوداء عليها عنقود عنب ثعلب أخضر؛ وذلك حتى لا يفوتها شيء. وقفت تراقب السيد سنوبيري كأنها ترجو أن ترى علامة مرئية عن المعجزة التي كان يقوم بها. دائما ما كانت تتساءل عن الذي يفعله القس كي يحول أسوأ شيء في العالم إلى أفضل شيء في العالم.
عندما انتهت مراسم الزواج، صعدت إنيد إلى الطابق العلوي كي ترتدي الفستان الذي ستسافر فيه، وبدأ رالف وجلاديس في إجلاس الضيوف من أجل العشاء. بعد عشرين دقيقة، نزلت إنيد وأخذت مكانها بجانب كلود على رأس الطاولة الطويلة. قام الرفاق وشربوا كأسا من شراب البنش بعصير العنب في نخب العروسين. ولكن ريثما جلس الضيوف، أخذ السيد رويس السيد ويلر إلى قبو تخزين الفاكهة، حيث احتسى الصديقان القديمان كأس ويسكي كنتاكي معتقا وتصافحا. وعندما عادا إلى الطاولة، وبدا أنهما في عمر أصغر مما بدا عليهما وقت انسحابهما من المكان، اشتم الكاهن رائحة الويسكي، وشعر بأنه جرى تجاهله. نظر بتعاسة إلى كأسه الحمراء وتذكر عرس قانا. حاول أن يطبق تعاليم الكتاب المقدس بحذافيرها في حياته؛ وعلى الرغم من أنه لم يكن بإمكانه أن يفعل ذلك علنا في تلك الأيام، فإنه لم يعلم مطلقا السبب الذي جعله يشعر بأنه أفضل من المسيح فيما يتعلق بشرب الخمر.
حافظ رالف على هدوئه ولم ينس شيئا؛ حيث إنه كان المسئول عن تنفيذ مراسم الاحتفال. وعندما حان وقت البدء، ربت على كتف كلود وقاطع والده وهو يسرد إحدى أفضل قصصه. بخلاف العادة، كان على الزوجين الذهاب إلى المحطة بمفردهما؛ ولذا تركا مكانهما على رأس الطاولة بعد إيماءة وابتسامة للضيوف. أسرع رالف بهما إلى السيارة الخفيفة التي كان قد وضع فيها بالفعل حقيبة السفر الصغيرة المكدسة بالأغراض الخاصة بإنيد. فقط السيدة رويس النحيلة الضعيفة هي من تسللت من المطبخ كي تودعهما.
ناپیژندل شوی مخ