66

قالت إنيد بسرعة: «أوه، يمكنك الإتيان إلى هنا دائما للنوم في الليالي الحارة.» «لن يكون الشعور واحدا في كلتا الحالتين.»

جلسوا يشاهدون ضوء النهار يزول من السماء، واقتربت إنيد وجلاديس بعضهما من بعض عندما بدأت برودة ليل الخريف تتسلل إليهما. كان الأصدقاء الثلاثة يفكرون في الشيء نفسه؛ ولكن لو بفعل سحر ما بدأ كل منهم يفكر بصوت عال، لغيمت الدهشة والمرارة عليهم جميعا. أفكار إنيد كانت هي الأنقى بينهم. المناقشة حول غرفة الضيوف ذكرتها بالقس ويلدون. في سبتمبر، لما كانت في طريقها إلى ميشيجان مع والدتها، توقفت يوما في لينكن كي تستشير آرثر ويلدون هل ينبغي أن تتزوج من رجل وصفته له بأنه «رجل غير مخلص للكنيسة». تعامل السيد ويلدون الشاب مع الموضوع بحذر، ولكن لما علم أن الرجل المنشود هو كلود ويلر، طغى عليه التحيز أكثر من المعتاد. رأى أن زواجها من كلود قد يكون الطريقة الوحيدة لإصلاحه؛ ومن ثم لم يتردد في أن يقول لها إن أعظم خدمة يمكن أن تقدمها الفتيات المخلصات للكنيسة هي أن يجذبن الشباب الواعد إليها. كانت إنيد شبه متيقنة من أن السيد ويلدون سيوافق على موضوعها من قبل أن تستشيره، ولكن توافق رأيه مع رأيها دائما ما كان يرضي غرورها. أخبرته أنها عندما تمتلك منزلا خاصا بها، فإنها تنتظر منه أن يقضي جزءا من إجازته الصيفية فيه، ورد عليها بخجل معربا عن استعداده للقيام بذلك.

تاهت جلاديس أيضا بين أفكارها؛ إذ كانت تجلس بسكينة جعلتها تبدو متراخية جدا، وكانت تسند رأسها على إطار النافذة الفارغ في مواجهة الشمس التي كانت تغرب. أضفى الضوء الزهري على عينيها البنيتين وميضا مثل لون النحاس القديم، وبدت فيهما نظرة حزينة وكأنها كانت تتحدى شيئا ما في عقلها. عندما تصادف ونظر كلود إليها، خطر بباله كم هو صعب أن تصبح شخصا استثنائيا في المجتمع، وأن تصبح أجدر وأذكى من البقية. وبالنسبة إلى فتاة، فلا بد أن الأمر أصعب بكثير. نهض فجأة وكسر حاجز الصمت الطويل. «نسيت يا إنيد، عندي سر لأخبرك به. في مكان ما بأرض الغابة المملوكة لنا، عثرت منذ مدة وجيزة على سرب من طيور السمان. لا بد أنها الوحيدة المتبقية في كل هذه الأنحاء، ولا أظنها خرجت من هذه الأرض. لم تجتز حشائش الكلأ هناك منذ سنوات ... لم تجتز مذ ذهبت إلى المدرسة أول مرة، وربما تعيش هي على بذور الحشائش. بالطبع ينمو التوت في الصيف.»

تعجبت إنيد هل الطيور تعلم هذا القدر عن العالم لدرجة أن تختبئ بين أشجار هذا المكان. كان كلود متأكدا مما قاله. «لا أحد يذهب بالقرب من هناك سوى أبي؛ إنه يتوقف هناك أحيانا. ربما رأى الطيور ولكنه لم يتفوه بكلمة عنها. ربما فعلت مثله تماما.» أخبرهما أنه نثر بعض حبات الذرة في الحشائش حتى لا تسعى تلك الطيور للتحليق فوق حقل الذرة الخاص بليونارد دوسن. «إن رآها ليونارد، فمن المحتمل أن يصطادها.»

اقترحت إنيد: «لماذا لا تطلب منه ألا يفعل هذا؟»

ضحك كلود. «هذا من شأنه أن يكون طلبا صعبا. عندما ترتفع جماعة من السمان من حقل ذرة، فإنها تكون مشهدا مغريا للغاية إذا كان الرجل يحب الصيد. سنأخذك في نزهة عندما تأتين الصيف المقبل يا جلاديس. توجد بعض الأماكن الجميلة في هذا المكان.»

نهضت جلاديس. «يا إلهي، لقد حل الليل! إن المكان جميل هنا، ولكن يجب أن توصليني إلى المنزل يا إنيد.»

وجدوا المكان مظلما في الداخل. كلود ساعد إنيد في النزول على السلم الخشبي وأوصلها إلى سيارتها، ثم عاد من أجل جلاديس. كانت تجلس على الأرض عند قمة السلم الخشبي. مد إليها يده وساعدها على النهوض.

قال ممتنا: «إذن أنت تحبين منزلي الصغير.» «نعم. أوه، نعم!» كان صوتها يفيض بالمشاعر، لكنها لم تجهد نفسها وتتحدث بأكثر من ذلك. نزل كلود أمامها كي يحميها من الانزلاق. ظلت وراءه وهو يقودها عبر المداخل المربكة، وساعدها في تخطي أكوام الألواح المتناثرة على الأرض. عند حافة مدخل القبو المفتوح، توقفت وانحنت على ذراعه متعبة للحظة. لم تتكلم، لكنه فهم أن منزله الجديد جعلها حزينة، وأنها وصلت هي أيضا إلى المكان الذي يجب أن تخرج فيه عن المسار القديم. تمنى أن يهمس لها ويتوسل إليها ألا تتزوج من أخيه. تباطأ وتردد وهو يتحسس طريقه في الظلام. إنها تعاني نفس النوع اللعين من الحساسية الشعورية؛ كانت ستتوقع الكثير من الحياة وتصاب بخيبة الأمل. لم يرغب في أن يخرج بها إلى الليل البارد من دون كلمة توسل. تمنى أن لو طال طريقهما، وعبرا العديد من الغرف والممرات. ربما لو كان هذا ممكنا، لوجدت القوة الكامنة بداخله ما كانت تسعى إليه، حتى في هذه المدة القصيرة تحركت بداخله وجعلته يشعر بها، وأطلقت نداء محيرا. فوجئ كلود من نفسه كثيرا.

11

ناپیژندل شوی مخ