من الواضح أن تلك الهواجس لم تكن جديدة على السيدة ويلر؛ فقد مدت يدها كي توقفه وهمست في انفعال جاد: «لا تقل شيئا! لا تتفوه بكلمة!» «أوه، لن أتدخل! أنا لا أتدخل أبدا. على أي حال، أفضل أن أتخذها زوجة ابن على أن أتخذها زوجة. كلود أحمق أكثر مما ظننته.» أخذ قبعته ونزل إلى الحظيرة، ولكن زوجته لم تسترد هدوءها بسهولة. تركت الكرسي حيث أملت أن تجلس عليه مرتاحة، وأخذت منفضة ريش وبدأت تتحرك مشتتة الذهن في أرجاء الغرفة، تنظف سطح الأثاث. عندما كانت تسمع أخبارا سيئة عن الحرب أو تشعر بالقلق على كلود، كانت تشرع في تنظيف المنزل أو فحص وإصلاح الخزانات، ممتنة إلى قدرتها على وضع بعض الأشياء الصغيرة في نصابها الصحيح في هذا العالم المضطرب.
بمجرد الانتهاء من زراعة محاصيل الخريف، أحضر كلود عمال حفر الآبار من المدينة كي يحفروا بئرا جديدا له، وبدأ الحفر لإنشاء قبو منزله وهم لا يزالون في العمل. كان يبني منزله على الأرض المستوية بجانب أرض الغابة المملوكة لوالده؛ لأنه في صغره كان يعتقد أن أيكة الأشجار هذه أجمل بقعة في العالم. كانت مساحة هذه الأرض تبلغ نحو ثلاثين فدانا، وتضم أشجار دردار وقيقب وحور قطني، وكان حولها سياج كثيف من أشجار التوت في جانبها الجنوبي. لقد أهملت الأشجار في السنوات الأخيرة، ولكن إذا عاش في ذلك المكان، فسيتمكن من تقليمها والعناية بها في مدة قصيرة جدا.
أصبح في كل صباح الآن يذهب بسيارته الفورد ويعمل في القبو الخاص به. سمع أنه كلما زاد عمق القبو كان ذلك أفضل، ونوى أن يكون هذا القبو عميقا بما يكفي. وفي أحد الأيام، توقف ليونارد دوسن كي يرى التقدم الذي كان يحرزه. وقف على حافة الحفرة، ونادى الفتى الذي كان يتصبب عرقا بالأسفل. «يا إلهي، يا كلود، ما الذي تريده من قبو بهذا العمق؟ عندما ترغب زوجتك فجأة في السفر إلى الصين، يمكنك فتح باب قلاب وإلقاؤها عبره!»
ألقى كلود بمعوله وصعد السلم راكضا. قال غاضبا: «لن يطرأ على بال إنيد مثل تلك الأفكار.» «حسنا، لا داعي إلى الغضب. سعيد لسماع ذلك. أسفت على سفر الفتاة الأخرى. بدا لي دوما أن إنيد تريد السفر إلى الصين، ولكني لم أرها منذ وقت طويل ... لم أرها من قبل أن تذهب إلى ميشيجان مع السيدة العجوز.»
بعدما ذهب ليونارد عاد كلود إلى عمله، ولكن كان لا يزال مزاجه سيئا. لم يكن سعيدا البتة في قرارة نفسه بشأن إنيد. عندما كان يذهب إلى الطاحونة، فعادة ما كان يسعى السيد رويس - وليس إنيد - إلى عدم رحيله بسرعة، وكان يتبعه إلى الممر المؤدي إلى البوابة، ويبدو عليه أنه آسف على رؤيته ذاهبا. كان يرى أن إنيد مهتمة بما كان يفعله. إنها كانت لا تتحدث ولا تفكر في شيء سوى المنزل الجديد، وأغلب اقتراحاتها كانت جيدة. وكثيرا ما تمنى أن تطلب شيئا غير معقول ومغالى فيه. لكن لم تكن لديها أي نزعات أنانية، وحتى أصرت على أن تصبح غرفة النوم المريحة الموجودة في الطابق العلوي التي اهتم بتخطيطها بشدة غرفة للضيوف.
لما بدأ يظهر شكل المنزل، كانت تأتي إليه إنيد كثيرا بسيارتها كي ترى التقدم الذي يحدث فيه، وكي تري كلود نماذج من ورق الحائط والستائر أو تصميما للأرائك المجاورة للنوافذ اقتصته من مجلة. لا يمكن أن يكون هناك ريب في اهتمامها بكل جزء من التفاصيل. الشيء المحبط هو أن اهتمامها بالمنزل بدا أكثر من اهتمامها به. ورغم أن هذه الشهور كانت فرصة لهما لقضاء الوقت معا كما يحلو لهما، فإنها لم تتعامل معها إلا باعتبارها مدة لبناء منزل.
قال كلود لنفسه إن كل شيء سيصبح على ما يرام عندما يتزوجان. كان يؤمن بقوة التغيير الخاصة بالزواج، كما تؤمن والدته بالآثار الإعجازية للإيمان. الزواج يختزل كل النساء إلى قاسم مشترك؛ إذ يغير الفتاة الباردة المغرورة إلى فتاة رقيقة الفؤاد ومعطاءة. إنه لشيء جيد للغاية ألا تدري إنيد الآن شيئا عن كل ما ستتحول إليه حياتها بعد الزواج. قال في نفسه إنه ما كان يريد للأمر أن يسير على نحو مختلف.
لكنه كان يشعر بالوحدة على الرغم من ذلك. لقد أخذ يغدق على المنزل الصغير الاعتناء والاهتمام النابعين من الحب اللذين كان يبدو أن إنيد لم تكن تحتاج إليهما. كان يقف على رأس النجارين يحثهم على أقصى درجات الدقة في تشطيب الخزانات والدواليب، وعلى وضع الأرفف في أماكنها الملائمة، والربط الدقيق للعتبات والإطارات. كثيرا ما كان يبقى هناك حتى وقت متأخر في الليل بعدما يذهب العمال بأصوات أحذيتهم المزعجة إلى منازلهم من أجل العشاء. حينها، كان يجلس على رافدة أو على هيكل الشرفة العلوية ويغرق تماما في التفكير؛ تحسبا لأشياء تبدو بعيدة كما كانت في أي وقت مضى. كان يستأنس بأستار الليل وضوء النجوم الهادئ. وفي ليلة، دخل طائر وظل يرفرف منزعجا بين الغرف، وهو يصرخ من الخوف قبل أن يخرج ويطير في الغسق من إحدى النوافذ العلوية ويجد طريقه إلى الحرية.
لما أصبح النجارون مستعدين لوضع السلم، اتصل كلود بإنيد وطلب منها أن تأتي وتخبرهم عن الارتفاع الذي تريده لدرجات السلم. دائما ما كانت تضطر أمه إلى صعود سلم شديد الانحدار. توقفت إنيد بسيارتها أمام مدرسة فرانكفورت الثانوية في الساعة الرابعة، وأقنعت جلاديس فارمر أن تأتي معها.
لما وصلتا، وجدتا كلود يعمل على السياج الشبكي للشرفة الخلفية. ضحكت إنيد قائلة: «كلود يشبه النبي يونس. إنه يريد زراعة معترشات يقطين هنا؛ حتى تتسلق السياج الشبكي وتكون ظلا. أفكر في نباتات معترشة أخرى قد تعطي شكلا جماليا أكثر.»
ناپیژندل شوی مخ