59

في إحدى الأمسيات، نزل السيد ويلر إلى العشاء وتحت ذراعه حفنة من الجرائد. «كلود، أرى أن الخوف من الحرب في أوروبا قد ضرب السوق في مقتل. حدثت قفزة في سعر القمح. إنهم يدفعون ثمانية وثمانين سنتا مقابلا له في شيكاجو. علينا بيع بضع مئات من البوشلات قبل أن ينخفض السعر مرة أخرى. الأفضل أن نبدأ في نقلها بالعربة غدا. يمكننا أنا وأنت القيام برحلتين في اليوم إلى فيكونت؛ وذلك بالتبديل بين الخيول ... ليس على الخيول صعود أي تلال؛ ومن ثم لن تواجه أي مشقة.»

جلست السيدة ويلر وهي تصب القهوة ممسكة بإبريق القهوة معلقا في الهواء، ونسيت أنه في يدها. تمتمت بنبرة عادية: «إذا كانت هذه المخاوف ليست إلا فرقعة جرائد كما نعتقد، فلا أرى سببا في تأثر السوق بها. لا بد أن أصحاب البنوك الكبيرة في نيويورك وبوسطن لديهم طرقهم في التفرقة بين الشائعات والحقائق.»

قال زوجها بنفاد صبر: «أعطيني بعض القهوة من فضلك. لست مضطرا إلى توضيح حال السوق؛ ما يهمني هو انتهاز الفرص المتاحة فيه.» «ولكن ما لم يوجد سبب لذلك، فلماذا نأخذ محصولنا من القمح إلى فيكونت؟ هل تفترض أن تجار الحبوب يصنعون مخططا ويخفونه وراء شائعة الحرب؟ هل خبراء المال والصحافة خدعوا العامة بهذا النحو من قبل؟» «لا أعلم أي شيء عن ذلك يا إيفانجلين، ولا أظن ذلك. اتصلت هاتفيا بصومعة الغلال في فيكونت منذ ساعة، وقالوا إنهم سيدفعون لي سبعين سنتا، والسعر قابل للتغيير مع التسعير الصباحي.» غمز بعينه وقال: «كلود، الأفضل ألا تذهب إلى الطاحونة اليوم. نم مبكرا. إذا خرجنا إلى الطريق بحلول السادسة صباحا، فسنصل إلى المدينة قبل أن يشتد حر النهار.» «حسنا يا سيدي. أريد أن أطلع على الجرائد بعد العشاء. لم أقرأ شيئا غير العناوين منذ الوقت الذي قبل موسم درس الحبوب. أثير قلق إرنست لما علم بمقتل ذلك الدوق الكبير، وقال إن النمساويين سيثيرون المتاعب. ولكن لم أعتقد قط أن هذا الأمر سيؤدي إلى أي شيء.»

بينما كان والده يحاول الوصول إلى إحدى قطع البسكويت الساخن، قال: «على أي حال، لقد تسبب هذا في وصول سعر البوشل إلى سبعين سنتا.»

قالت السيدة ويلر بتفكر: «إذا كانت تلك الأحداث قد وقعت، فأخشى ما أخشاه أن يكون هناك المزيد منها في الطريق.» التقطت الفرشاة الورقية الخاصة بطرد الذباب، وجلست تلوح بها بنحو غير منتظم وكأنها تحاول التخلص من سرب من الأفكار المربكة.

اقترح السيد ويلر قائلا: «اتصل بإرنست واسأله عما تقوله الجرائد البوهيمية عن الأمر.»

ذهب كلود إلى الهاتف، ولكن لم يرد عليه أحد من آل هافل. ربما ذهبوا إلى حفلة رقص في بلدة بوهيميا. صعد إلى الطابق العلوي وجلس أمام كرسي ذي ذراعين مليء بالجرائد؛ لم يستطع الخروج بأي رأي عقلاني من البرقيات الملطخة المكتوبة بخط كبير في الصفحة الأولى من جريدة أوماها وورلد هيرالد. الجيش الألماني كان يدخل لوكسمبورج؛ إنه لا يعرف أين تقع لوكسمبورج، وهل هي مدينة أم دولة؛ ربما كانت لديه فكرة مبهمة ترى أنها عبارة عن قصر! صعدت أمه إلى «مكتبة ماهيلي» - العلية - من أجل أن تبحث عن خريطة لأوروبا؛ وهي شيء لا يحتاج إليه المزارعون في نبراسكا كثيرا. ولكن في تلك الليلة باتت النساء في العديد من منازل البراري، سواء الأمريكيات منهن أو ذوات الأصول الأجنبية، يبحثن عن خريطة.

كان كلود يشعر بالنعاس بشدة لدرجة أنه لم يتنظر عودة والدته. مشى بتعثر في الطابق العلوي، وخلع ملابسه في الظلام. اتقدت حرارة الجو في الليل، وامتلأت السماء بالسحب الرعدية، ولاح في الأفق الغربي بالكامل رعد منبسط متواصل. دخل البعوض إلى غرفته في النهار؛ وبعد أن رمى نفسه على السرير بدأ يحوم فوقه بأصواته العالية والمزعجة. تقلب من جانب إلى آخر، وحاول أن يسد أذنيه بالوسادة. امتزج الصوت المزعج، في دماغه الناعس ، بالخط الكبير في الصفحة الأولى من الجريدة؛ بدت تلك الحروف الكبيرة كأنها تطير حول رأسه، وتصدر صوت أزيز ناعم وعال وممل.

8

في وقت متأخر من مساء يوم السادس من أغسطس، كان كلود يتأرجح بعربته الفارغة على طول الطريق المعبد في الأرض المنبسطة ما بين فيكونت ووادي لافلي كريك. قطع رحلتين إلى المدينة في ذلك اليوم. وعلى الرغم من أنه استخدم فريق الخيول الأقوى لديه في رحلة العصر الحارة، فإن الخيول أرهقت لدرجة أنه لا يمكن حثها على السير بسرعة أكبر. تلألأت بقع العرق على رقابها، وعلق على جانبيها الغبار الأبيض الذي يرتفع مع كل خطوة. تدلت رءوسها لأسفل، وبدأت تأخذ أنفاسا عميقة وبطيئة. ارتفعت سخونة خشب مقعد العربة المطلية باللون الأخضر لدرجة أنه لا يتحمل لمسها. جلس كلود على أحد طرفي المقعد، وأبقى رأسه مكشوفا لالتقاط نسمة الهواء التي تجفف رقبته وذقنه في بعض الأحيان، وتنقذه من عناء إخراج المنديل. امتدت جذامات القمح على الجانبين أميالا وأميالا. وقفت أكوام القش بلونها الأصفر منعزلة تحت الشمس، وألقت بظلالها الطويلة. نظر كلود بترقب بطول سياجات أشجار السنط التي تنبئ عن مسار الطريق. وعده إرنست هافل أن يقابله في مكان ما على الطريق المؤدي إلى المنزل. لم ير إرنست منذ أسبوع؛ ومنذ ذلك الحين حدثت عجائب.

ناپیژندل شوی مخ