انزعجت والدته من هذا الاقتراح، ولكن إنيد تجاهلت تململها. صعدتا إلى الطابق الثالث، وطرقت إنيد الباب بنفسها. «هذه أنا يا كلود. هل تسمح لي بالدخول للحظات؟»
أجاب صوت مكتوم متذمر. «كلا. يقولون إن هذا المرض معد يا إنيد. وعلى أي حال، لا أحب أن تريني بتلك الهيئة.»
لم تنتظر، وفتحت الباب. وجدت الستائر الداكنة منسدلة، وتنبعث رائحة قوية كريهة من الغرفة. كان كلود يستلقي على السرير ورأسه ووجهه يغطيهما القطن الطبي، ولا يظهر سوى عينيه وطرف أنفه. تسرب المرهم البني الذي دهنت به ملامحه إلى أطراف الشاش، وجعل ضماداته تبدو غير مرتبة. لاحظت إنيد هذه التفاصيل من نظرة واحدة. «هل النور يؤذي عينيك؟ اسمح لي أن أفتح إحدى هذه الستائر للحظات؛ لأني أريدك أن ترى هذه الزهور. أحضرت لك أول زهور أينعت من زهور البازلاء العطرية.»
نظر كلود وهو يطرف بعينيه إلى باقة الزهور ذي الألوان البراقة التي كانت تحملها أمامه. رفعتها أمام وجهه وسألته إن كان يستطيع شمها من خلف تلك الضمادات. في لحظة، اندثر شعوره بالإحراج. أحضرت والدته زهرية زجاجية، ووضعت إنيد الزهور على الطاولة الصغيرة التي بجانبه. «والآن، هل تريدني أن أظلم الغرفة مرة أخرى؟» «ليس الآن. اجلسي قليلا وتحدثي معي. لا أستطيع التحدث كثيرا لأن وجهي متيبس.» «اعتقدت أنه ينبغي أن يكون كذلك! قابلت ليونارد دوسن البارحة على الطريق، وأخبرني كيف نزلت إلى العمل في الحقل بعد التعرض للجرح. أريد أن أوبخك كثيرا على ذلك يا كلود.» «افعلي إذن. فقد يجعلني ذلك أشعر بتحسن.» أمسك يدها وجعلها بجانبه للحظات. «هل زهور البازلاء العطرية هذه هي تلك التي كنت تزرعينها في اليوم الذي عدت فيه من الغرب؟» «نعم. ألم تنم جيدا لدرجة أن تينع مبكرا هكذا؟»
تنهد قائلا: «أقل من شهرين. هذا غريب.» «غريب؟ ماذا تقصد؟» «أوه، حفنة من البذور يمكن أن تصنع شيئا جميلا كهذا في غضون بضعة أسابيع، ويستغرق الأمر من الإنسان وقتا طويلا كي ينجز أي شيء، وفي النهاية يكون غير ذي بال.»
ردت عليه موبخة: «هذه ليست نظرة صحيحة تجاه الأمور.»
جلست إنيد على نحو مهذب ومستقيم عند طرف سريره. فستانها المزهر المصنوع من قماش الأورجاندي كان يشبه كثيرا باقة الزهور التي أحضرتها، وكان لقبعتها المرنة المصنوعة من القش أنشوطة أرجوانية كبيرة. بدأت تحكي له عن نوبات الحمرة العديدة التي أصابت والدها. استمع إليها لكن بذهن شارد. لم يصدق قط أن إنيد - بمفاهيمها الصارمة عن اللياقة - ستأتي إلى غرفته وتجلس معه هكذا. لاحظ أن اندهاش والدته لا يقل عن اندهاشه. ظلت أمه تحوم حول الضيفة بضع لحظات؛ ولما رأت أن إنيد لا تشعر بأي إحراج، نزلت إلى الطابق السفلي كي تباشر عملها. تمنى كلود لو لم تتحدث إنيد البتة، وأن تجلس في الغرفة وتدعه ينظر إليها. هدأت آلامه بفضل أشعة الشمس التي أدخلتها إلى الغرفة ووجودها الهادئ والطيب الرائحة. وفجأة أدرك أنها كانت تسأله عن شيء. «ماذا يا إنيد؟ الدواء الذي يعطونني إياه يجعلني أبدو ثقيل الفهم. لا أستوعب الأشياء بسرعة.» «كنت أسأل هل تلعب الشطرنج.» «لست ماهرا فيه.» «يقول أبي إنني أتمتع بقدر معقول من المهارة في لعبه. عندما تتحسن، يجب أن تسمح لي بإحضار قطع الشطرنج العاجية خاصتي التي أرسلتها لي كاري من الصين. إنها منحوتة على نحو جميل. والآن، حان الوقت كي أغادر.»
نهضت وربتت على يده، وأخبرته ألا يكون أحمق فيما يتعلق برؤية الناس. «لم أكن أعلم أنك معتد بنفسك إلى هذه الدرجة. أنت معرض للجروح والضمادات مثلك مثل أي شخص. هل أسدل الستارة الداكنة مرة أخرى؟» «نعم، من فضلك. لن يكون هناك شيء أنظر إليه الآن.» «عجبا لأمرك يا كلود، توشك أن تكون رجلا مولعا بالنساء!»
جفل قليلا من شيء في الطريقة التي قالت بها إنيد هذا. شعر أن الحرارة تزداد في وجهه الملتهب. وحتى بعدما نزلت إلى الطابق السفلي، ظل يتمنى لو لم تتفوه بتلك الكلمات.
أتت والدته كي تعطيه الدواء. وقفت بجانبه حتى ابتلعه. قالت وهي تأخذ الكوب: «إنيد رويس فتاة رقيقة حقا ...» لم يعبر ارتفاع نبرة صوتها في نهاية كلامها عن اقتناع، بل عن حيرة.
ناپیژندل شوی مخ