51

خلع حذاءه وصعد السلم بأقصى درجات الحذر.

4

في صباح أحد أيام الصيف، كان إرنست هافل يحرث حقل الذرة الحديث البراق واللامع، ويصفر لحن أغنية ألمانية قديمة ترتبط بصورة اتقدت في ذاكرته بنحو أو بآخر. إنها كانت صورة أول مرة يتذكر أنه حرث فيها.

رأى نصف دائرة من التلال الخضراء، والثلج لا يزال عالقا في شقوق أعلى قممها، وخلف التلال كان يرتفع جدار من الجبال الشاهقة، المغطاة بغابات صنوبر داكنة اللون. في المروج عند سفح تلك التلال، كان يوجد نهير متعرج على ضفافه شجر صفصاف مقلمة في حقولها الغضة التي يكسوها اللونان الأخضر المصفر والبني. لما كان صغيرا، اعتاد اللعب بجانب النهير وهو يراقب أباه وأمه وهما يحرثان بمساعدة ثورين عظيمين كانا مربوطين بحبال من رأسيهما وقرنيهما الطويلين. كانت أمه تمشي حافية القدمين بجانب الثورين وتقودهما، وأبوه يمشي خلفهما كي يوجه المحراث. كان أبوه ينظر دائما إلى أسفل. كان وجه أمه بنيا ومتشققا مثل الحقول، وكانت عيناها ذات لون أزرق فاتح، بلون السماء في بداية الربيع. كان يغدو الاثنان ويجيئان هكذا طوال الصباح من دون التحدث، إلا إلى الثورين. إرنست هو آخر نسل عائلة طويلة؛ وعندما كان يلعب بجانب النهير، اعتاد أن يتساءل عن السبب في أن والديه كانا يبدوان عجوزين بشدة.

وصل ليونارد دوسن بسيارته إلى السياج، وصاح على إرنست كي يوقظه من أحلام اليقظة خاصته. أمر حيوانيه بالوقوف وركض إلى حافة الحقل.

صاح ليونارد: «مرحبا يا إرنست. هل علمت أن كلود ويلر جرح أول من أمس؟» «أصحيح ما تقول؟! لا بد أن الجرح ليس كبيرا، وإلا لأخبروني.» «أوه، أظن أنه ليس كبيرا، ولكن السلك جرح وجهه بشدة. إنه أغرب شيء رأيته. كان بالخارج مع بغليه ومحراث ثقيل، يحرث الأرض في ذلك الممر العميق الواقع بين بيتهم وبيتي. مرت شاحنة نقل وقود، وربما أحدثت ضوضاء أعلى من المعتاد. ولكن هذين البغلين كانا يعرفان تلك الشاحنات، وما فعلاه كان مجرد نوع من المشاكسة. بدأ الشب والتحرك لأعلى ولأسفل بعنف داخل هذا الممر العميق. كنت أفحص الذرة خاصتي في الحقل، وناديت على سائق الشاحنة كي يتوقف، ولكنه لم يسمعني. قفز كلود للإمساك برأسي هذين الحيوانين وأمسكهما من شكيمة كل منهما، لكنه حينها تشابك في حبالهما. رفعه هذان البغلان الملعونان وبدآ يركضان. ركضا في الأخدود الضحل وعلى الضفة وعبر الحقول، وشفرة هذا المحراث الكبير كانت ترتفع في الهواء مقدار ثلاث أو أربع أقدام مع كل قفزة. كنت متأكدا من أنها ستجرح أحد البغلين أو ستخترق جسد كلود. لو لم يحكم مسكه لشكيمتي البغلين، لنالت منه تلك الشفرة. ظلا يجريان به مسافة طويلة وهو يتأرجح في الهواء، وفي النهاية رمياه على سياج به أسلاك شائكة؛ مما تسبب في قطع في وجهه ورقبته.» «يا إلهي! هل أصيب بقطع غائر؟» «كلا، ليس قطعا غائرا، ولكني رأيته صباح أمس يحرث الذرة ووجهه مغطى تماما بلصق طبي. أعلم أن ما قام به فعل أحمق؛ يسوء جرح السلك إذا كنت غاضبا بشدة وتركت لتقع في الغبار. ولكنك لا تستطيع أن تقول لأي من آل ويلر شيئا. يقولون إن وجهه تورم ويؤلمه ألما فظيعا، وسافر إلى المدينة كي يستشير طبيبا. الأفضل أن تذهب إليه الليلة وترى هل بإمكانك أن تجعله ينتبه إلى حاله.»

انطلق ليونارد بالسيارة، وعاد إرنست إلى عمله. قال في نفسه: «غريب ذلك الفتى. إنه كبير وقوي ومتعلم، ويمتلك كل تلك الأرض الرائعة، ولكن يبدو أنه عاثر الحظ.» كان يعتقد إرنست أحيانا أن صديقه سيئ الحظ. عندما تخطر هذه الفكرة على باله، كان يتنهد ويطردها من عقله. يعتقد إرنست أنه لا حيلة في ذلك؛ فإنه شيء لا يفسره عقل.

بعد ظهيرة اليوم التالي، أخذت إنيد رويس سيارتها الكوبيه وذهبت إلى مزرعة ويلر. السيدة ويلر رأت إنيد وهي تترجل من سيارتها؛ ولذا نزلت من التل كي تقابلها وهي مقطوعة النفس وحزينة. «أوه، يا إنيد! هل سمعت عن الحادثة التي تعرض لها كلود؟ إنه لا يعتني بنفسه، وأصيب بالحمرة الآن. إنه يعاني ألما حادا، يا له من فتى بائس!»

أمسكت إنيد ذراعها وبدآ يصعدان التل باتجاه المنزل. «هل لي أن أرى كلود يا سيدة ويلر؟ أريد أن أعطيه تلك الزهور.»

ترددت السيدة ويلر. «لا أعلم هل سيسمح لك بالدخول أم لا يا عزيزتي. لقد صادفت صعوبة شديدة في إقناعه بأن يرى إرنست بضع دقائق ليلة البارحة. يبدو أن معنوياته منخفضة، وإنه حساس من الطريقة التي ضمد بها جراحه. سأذهب إلى غرفته وأسأله.» «كلا، اسمحي لي فقط أن أصعد معك من فضلك. إذا صعدت معك، فلن يكون لديه الوقت كي يغضب من زيارتي. لن أمكث إن لم يرغب في زيارتي، ولكني أريد أن أراه.»

ناپیژندل شوی مخ