33

السبب في ذلك أن بايليس كان سريعا في التعامل مع الأعداد، وصغير الحجم بالنسبة إلى مزارع؛ ولذا أرسله والده إلى المدينة كي يتعلم مجال تجهيزات المزارع. ومنذ اليوم الذي ذهب فيه إلى العمل، تمكن من العيش براتبه الصغير. كان يحتفظ في جيب صدريته بدفتر يومية صغير يسجل فيه كل النفقات - مثل المليونير الذي لم يمل الواعظون المعمدانيون قط من الحديث عنه - وقد كان إسهامه في صندوق التبرعات يبدو كبيرا في حسابه الأسبوعي.

كان صوت بايليس تتخلله نبرة حزينة بعض الشيء حتى عندما يستخدم أسلوبه التلميحي الماكر ويتلفظ بكلمات بغيضة؛ إن هذا تعبير عن إحساس عميق بالألم. كان يشعر دائما بأن الآخرين يسيئون فهمه ويقللون من قدره. وبعدما أصبح له لاحقا عمله الخاص، لم يطلب منه شباب فرانكفورت قط أن يشاركهم في مسراتهم. لم يطلب منه أحد الالتحاق بنادي التنس أو نادي لعبة الويست. كان يحسد كلود على بنيته القوية وحيويته المندفعة والمتهورة وكأنهما أعطيا لأخيه جورا، وكان الأجدر أن يعطيا له.

بينما كان بايليس ووالده يتحدثان معا قبل العشاء، دخل كلود وفتح باندفاع إحدى النوافذ، على الرغم من علمه أن أخاه يكره التعرض لتيارات الهواء. خاطبه بايليس من فوره من دون أن ينظر إليه: «علمت أن أصدقاءك، آل إرليش، اشتروا شركة جينكينسون في لينكن؛ على الأقل كتبوا كمبيالات.»

قطع كلود وعدا لأمه بألا يتعصب ذلك اليوم؛ لذا قال: «نعم، قرأت ذلك في الجريدة. أتمنى لهم النجاح.»

هز بايليس رأسه وعلى وجهه مظهر التعقل: «أشك في ذلك. علمت أنهم رهنوا منزلهم. تلك العجوز ستجد نفسها من دون مأوى يوما ما.» «لا أعتقد ذلك. طالما كان يريد الأولاد التشارك في عمل منذ مدة طويلة. يتمتع جميعهم بالذكاء والجد في العمل؛ فلماذا لا ينجحون في عملهم؟» أعجب كلود بنفسه لأنه تحدث بطريقة متأنية وواثقة.

أغمض بايليس عينيه نصف إغماضة. «أظن أنهم مغرمون بطيب الحياة. سيدفعون الفائدة التي عليهم وينفقون ما تبقى على إبهاج أصدقائهم. لم أر اسم ذلك الفتى في عقد التأسيس، يوليوس، أليس هذا هو اسمه؟» «يوليوس مسافر إلى الخارج من أجل الدراسة هذا الخريف. إنه يريد أن يصبح أستاذا بالجامعة.» «ماذا به؟ أيعاني من اعتلال في صحته؟»

في تلك اللحظة، دق جرس العشاء وأسرع رالف إلى الطابق السفلي من غرفته التي كان يرتدي بها ملابسه، ونزل الجميع إلى المطبخ كي ينظروا إلى الديك الرومي الذي سيأكلونه. مر العشاء على ما يرام. تحدث بايليس ووالده في السياسة، وحكى رالف قصصا عن الجيران في مقاطعة يوكا. سر بايليس لأن والدته تذكرت أنه يحب حشو المحار ، وأثنى على فطائر اللحم المفروم التي أعدتها. لما رآها تصب كوبا آخر من القهوة لنفسها ولكلود في نهاية العشاء، قال بنبرة لطيفة وحزينة: «أخشى أن يصيبك ضرر من احتساء كوبين من القهوة يا أمي.»

نظرت إليه والدته من فوق وعاء القهوة بابتسامة لطيفة تنم عن الشعور بالذنب. «لا أظن القهوة تضرني بأي نحو يا بايليس.» «إنها مضرة بالطبع؛ فهي من المواد المنبهة.» كانت توحي نبرته بأنه يقصد: أي شيء أسوأ منها! عندما ينعت المرء أي شيء بأنه «مادة منبهة»، فهو يهاجمه بلا ريب؛ إذ لا يوجد وصف أمقت من ذلك.

كان كلود في الصالة بالطابق العلوي يرتدي معطفه كي ينزل إلى الحظيرة ويدخن سيجاره، عندما خرج بايليس من غرفة الجلوس واعترضه بملاحظة مبهمة. «أعتقد أنه سيقام عرض موسيقي في هاستنجز ليلة السبت.»

قال كلود إنه سمع شيئا من هذا القبيل.

ناپیژندل شوی مخ