قالت السيدة ويلر ببطء وكأن الشك دخلها: «ومع ذلك، أعتقد أنه لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك.»
ضحك ولدها ونهض، وأخذ يملس على شعره المجعد. «تبقى الحقيقة أنه كذلك يا أمي العزيزة. وإذا حذفنا كل مرتكبي الكبائر من الكتاب المقدس، فستحذف كل الشخصيات المثيرة للاهتمام، أليس كذلك؟»
تمتمت قائلة : «باستثناء المسيح.» «نعم باستثناء المسيح. ولكن أظن أن اليهود كانوا على حق لما اعتقدوا أنه من أخطر المجرمين.»
سألته والدته بنبرة فيها عتاب ودعابة: «هل تحاول توريطي؟»
مشى كلود إلى النافذة التي كانت تجلس عندها ونظر إلى الحقول التي يهطل عليها الثلج، والتي بدأ لونها يتحول إلى اللون الأزرق وتصبح موحشة مع زيادة الظلال. «أقصد فقط أنه حتى في الكتاب المقدس الناس غير المذنبين ليسوا كثيرين.»
ضحكت السيدة ويلر ضحكة خافتة برقة: «آه، فهمت! أنت تحاول أن تعود بي إلى قضية الإيمان والعمل. هذا هو الموضوع الذي كنت دائما ما تعترض عليه عندما كنت طفلا صغيرا. اسمعني يا كلود، لا أعلم الكثير عن تلك المسألة كما كنت حينذاك. كلما تقدمت في العمر، لا أفكر في أشياء أخرى أكثر وأتركها للرب. أعتقد أن الرب يريد أن ينقذ أي شيء نفيس في هذا العالم، وأنه أعلم مني بكيفية فعل ذلك.» نهضت ومسحت خدها في كم قميصه المصنوع من الفانيلا وتمتمت قائلة: «أعتقد أن الرب أحيانا ينزل في الأماكن التي لا نتوقع نزوله فيها، حتى في القلوب المتمردة والمتكبرة.»
تعانقا للحظات أمام النافذة الغربية المربعة ذات الزجاج الشاحب والنظيف، مثلما أحيانا تتلاقى طبيعتان في شخص واحد وتتعانقان في ساعة مقدرة.
16
عاد رالف ووالده إلى المنزل لقضاء الإجازات، وفي عيد الميلاد أتى بايليس من المدينة من أجل العشاء. وصل مبكرا، وبعد تحية والدته في المطبخ، صعد إلى غرفة الجلوس المتأنقة بتجهيزات الإجازة التي بدت له هذه المرة دافئة بالقدر الكافي؛ حيث إنه كان يشعر دائما بالبرد بسبب تباطؤ الدورة الدموية لديه. ظل يروح ويجيء والمفاتيح تصلصل في جيوبه، وكان معجبا بزهور الأقحوان الشتوية التي زرعتها والدته التي لا تزال يانعة. توقف عدة مرات أمام غرفة المكتب العتيقة الطراز، وأخذ ينظر من الباب الزجاجي إلى المجلدات الموجودة بالداخل. رؤية بعض هذه الكتب أيقظت فيه ذكريات بغيضة. عندما كان صبيا في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، كانت الغيرة المريرة تتقد بداخله لما يسمع والدته تحث كلود على أن يقرأ عليها بصوت عال. لم يحب بايليس الكتب مطلقا. حتى من قبل أن يتعلم القراءة لما كانت والدته تحكي له القصص، كان يحاول من فوره أن يثبت لها إلى أي مدى قد تكون غير صحيحة. في وقت لاحق، اكتشف أن الحساب والجغرافيا كانا يستهويانه أكثر من رواية «روبنسون كروزو». وإن جلس ومعه كتاب، فإنه كان يريد أن يشعر أنه يتعلم شيئا. دائما ما كانت تتحدث والدته مع كلود عن شخصيات في الكتب والقصص لا يعرف عنها شيئا.
على الرغم من حب بايليس للمجيء إلى المنزل، فإنه كان يرى أنه عاش طفولة منعزلة. في مدرسة البلدة، لم يكن سعيدا؛ كان دائما ما يستطيع حل مسائل الاختبارات في الوقت الذي لا يستطيع الآخرون فيه فعل ذلك، وكان يحتفظ بأوراق اختبارات الحساب في جيب معطفه الصغير الداخلي حتى يسلمها بتواضع للمعلم، ولم يمنح الفرصة قط لأي أحد من الجيران كي يستفيد من ذكائه. ليونارد دوسن والفتيان الأقوياء الآخرون من نفس عمره بذلوا ما في وسعهم كي يحولوا حياته إلى جحيم. اعتادوا في الشتاء أن يرموه في ركام ثلجي ثم يذهبوا ويتركوه وحيدا. وفي الصيف، كانوا يرغمونه على أكل جراد حي خلف مبنى المدرسة، ويضعون ثعابين ثور كبيرة في وعاء العشاء الخاص به كي يفاجئوه. وحتى في الوقت الحالي، كان يحب أن يرى أي أحد من هؤلاء الفتية واقعا في مشكلات لا يمكن لأحد مهما بلغت قوته أن يخرجه منها.
ناپیژندل شوی مخ