25

رد زوجها وهو يمدد جسده الكبير حتى طقطق الكرسي الهزاز من تحته: «لا يهم أن تعلمي يا إيفانجلين. سيتولى كلود مسئولية الاعتناء بالمكان.» «كلود؟» مررت السيدة ويلر يدها على خصلة من شعرها، وأزاحتها عن جبهتها الرطبة في فزع غريب. «بالطبع.» نظر بعينين لامعتين إلى هيئة ولده الصامتة والواقفة في ركن الغرفة. «أظن أنك تعلمت ما يكفي عن علم اللاهوت، أليس كذلك؟ أنت لا تطمح إلى أن تصبح واعظا؟ في هذا الشتاء، أنوي تسليم زمام المزرعة لك وإعطاءك الفرصة كي تصوب الأمور فيها. لم تكن راضيا عن طريقة إدارة المكان في وقت ما، أليس كذلك؟ انطلق وطوره. يمكنك تطبيق أفكار جديدة إذا أردت، لا اعتراض لدي. إنها مكلفة ولكن لا بأس. يمكنك طرد دان إذا أردت والحصول على المساعدة التي تريدها.»

شعر كلود وكأن فخا يلتف من حوله. ظلل عينيه بيده. وقال بنبرة مترددة: «لا أظن أنني أتمتع بالكفاءة كي أدير المكان على النحو الصحيح.» «حسنا، أنت لا تظن أنني أيضا أتمتع بتلك الكفاءة يا كلود؛ ولذا نحن في موقف صعب. دائما ما كنت أعتقد أن الأرض خلقت من أجل الإنسان، على عكس دوسن العجوز الذي يرى أن الإنسان خلق كي يعمر الأرض. لا أمانع تحيزك إلى آل دوسن في اختلاف الآراء ذاك، إذا استطعت الحصول على نتائجهم.»

نهضت السيدة ويلر وخرجت مسرعة من الغرفة، وأخذت تتحسس طريقها عبر السلم المظلم إلى المطبخ. كان المكان مظلما وهادئا هناك. جلست ماهيلي في ركن هناك تخيط حواشي مناشف الأطباق على ضوء مصباح نحاسي قديم متسخ كانت تفضل الجلوس على ضوئه. ظلت السيدة ويلر تسير جيئة وذهابا في الغرفة الطويلة في انفعال هادئ وصامت، وتضغط بكلتا يديها بقوة على صدرها الذي كانت تشعر بألم فيه بسبب التعاطف مع كلود.

تذكرت توم ويستد الطيب. سبق أن بات معهم في المنزل عدة مرات، وأتى من أجل أن يواسوه بعد موت زوجته. بدا لها أن تدهور حالته الصحية وفقدانه الشغف، ورحلة السيد ويلر غير المتوقعة إلى دنفر، ومزرعة أشجار الصنوبر في ولاية مين؛ عناصر تجمعت بعضها مع بعض، وشكلت شبكة كي تحيط بابنها غير المحظوظ. كانت تعلم أنه كان ينتظر بنفاد صبر قدوم الخريف، وأنه للمرة الأولى كان يتطلع بشدة للعودة إلى الكلية. كان يشعر بالاشتياق إلى أصدقائه - آل إرليش - وانشغل عقله طوال الوقت بمقرر التاريخ الذي كان ينوي دراسته.

لكن كل ذلك ما كان ليزن شيئا في اجتماعات الأسرة؛ ولذا على الأرجح لن ينطق حتى بأي منه، كما أنه لم يكن لديه اعتراض واحد جوهري يبديه على رغبات والده. لذا سيكون إحباطه مريرا. تمتمت بصوت عال: «يا إلهي، هذا سيجعل قلبه ينفطر.» ماهيلي كانت ضعيفة السمع ولم تسمع شيئا. جلست رافعة عملها أمام الضوء، وأخذت تدفع إبرتها بكشتبان نحاسي كبير، وتومئ برأسها ناعسة بين الغرز. وعلى الرغم من أن السيدة ويلر لا تكاد تكون واعية بوجود المرأة العجوز، فإن هذا الوجود كان يريحها وهي تمشي ذهابا وإيابا بخطوات عشوائية وغير واثقة.

غادرت غرفة الجلوس خشية أن يغضب كلود ويتفوه بكلام فظ أمام والده، ولأنها لا تتحمل رؤيته على هذا الوضع. دائما ما كان كلود يجد الحياة صعبة العيش؛ كان يعاني بشدة حتى فيما يتعلق بالأشياء البسيطة، وكانت هي تعاني معه. من جهتها، لم تشعر بأي إحباط من قبل. لم تنزعج من قرارات زوجها المتهورة. وإن قال إنه لن يزرع الحديقة على الإطلاق هذا العام، فما كانت لتعترض. ماهيلي هي التي كانت تتذمر. إذا أراد أكل لحم عجل مشوي وذهب وذبح عجلا، فستفعل ما بوسعها كي تجيد طهي اللحم جيدا، وستحاول ألا تقلق إن أفسدت بعضه. عندما لا تستغرق في التأمل الديني، فربما تفكر في أحد الكتب القديمة التي قرأتها مرارا وتكرارا. حياتها الشخصية كانت منفصلة تماما عن أنشطتها اليومية، لدرجة أن الرجال المندفعين والعنيفين لا يمكن أن يقتحموها. ولكن فيما يتعلق بكلود، فقد عاشت في مستوى آخر ينحدر إلى درجة أدنى يشوبها الانفعال البشري، وتنبض بالمشاعر الإنسانية البائسة والعشوائية والغاضبة.

هكذا كانت الحال دوما. والآن رغم تقدمها في العمر وجسدها الذي لم يعد يهتم بالألم أو المتعة مثل صور الشمع المذاب في الكنائس القديمة، فإنها كانت لا تزال تهتز لمشاعره وتصبح سريعة الانفعال مرة أخرى من أجله. أحزانه أوهنت قواها. وكانت تتألم من داخلها عندما يتأذى أو يعاني. وعلى العكس، عندما يكون سعيدا، تسري موجة من الرضا في جسدها. وإذا استيقظت في الليل وتصادف أن اعتقدت بأنه كان سعيدا في الأوقات الأخيرة، فستنام في هدوء وسكينة في سريرها الدافئ.

عندما كانت تستيقظ على هذا الوضع وتفكر فيه، كانت في بعض الأحيان تهمس له في عقلها: «استرح، استرح، حبيبي القلق.» كانت عيناه تلمعان بضوء فريد عندما يبتسم إليها في أحد أيامه الطيبة، وكأنه يخبرها أن الأمور على ما يرام في مملكته الداخلية. سبق أن رأت هذه النظرة مرارا وتكرارا، وكانت دائما تستطيع تذكرها في الظلام؛ توهج سريع أزرق، رقيق وجامح بعض الشيء، وكأنه رأى رؤية أو لمح طموحا غير محدد.

13

كثر العمل في المزرعة في بضعة الأسابيع التالية. وقبل الانتهاء من حصاد القمح، حزم نات ويلر صندوقه المصنوع من الجلد، وارتدى «ملابسه الجاهزة»، وانطلق كي يعود بتوم ويستد إلى مين. في المدة التي غاب فيها، بدأ رالف يتهيأ للعيش في مقاطعة يوكا. أحب رالف أن يكون رجلا ذا شأن بين تجار فرانكفورت، ولم تسنح له من قبل فرصة كتلك. اشترى بندقية جديدة، وسروجا وألجمة، وأحذية عالية الرقبة، ومعطفين أحدهما طويل والآخر قصير؛ للوقاية من العواصف، وقطعا من الأثاث لغرفته، ووعاء حافظا للحرارة، وآلة فونوجراف، وشحن تلك الأغراض إلى كولورادو. لا تحب والدته موسيقى الفونوجراف، وتكره مونولوجات الفونوجراف؛ ولذا توسلت إليه أن يأخذ آلة الفونوجراف الموجودة في المنزل، ولكنه أكد لها أن المنزل سيكون مملا من دونها في أمسيات الشتاء. أراد شراء واحدة ذات أحدث العلامات التجارية الموسومة باسم مخترع أمريكي كبير.

ناپیژندل شوی مخ