واحات عمر: سيرة ذاتية: برخه لومړۍ
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
ژانرونه
وتذكرت تلك الحادثة بعد عامين وأنا أحاول تسجيل قصة أبو التسهيل ، وعزوت الفشل في الحالين إلى تصوري الخاطئ أن الفنان يستمد مادته من الحياة، أي إنه يستلهم الحياة بصورة مباشرة، وعندما درست المدارس النقدية الحديثة وتعمقت فيها إلى حد معقول، علمت أن الكاتب يكتب في إطار التقاليد الأدبية التي قد تقوم بدور أكبر من دور «المادة الخام» في تشكيل العمل الفني، وأن الخطأ الأساسي الذي وقعت فيه كان سماحي للصور البصرية أن تسيطر على ذهني بحيث تعرقل حريتي في الكتابة «في إطار تقاليد القصة القصيرة»! ولكنني كنت وما أزال أعزو عجزي إلى عدم طواعية الأسلوب النثري، وهو الذي لم يسلس قياده لي بالعربية حتى احترفت الترجمة، فالدرس الذي خرجت به من هذه الحرفة هو أن المترجم كاتب يرغم إرغاما على صياغة قول قاله غيره (وبلغة غير لغته) صياغة ناصعة واضحة! إنه مرغم على قول ما قد لا يقوله إلا مضطرا، وسوف أضرب مثلا لهذا الدرس الذي تعلمته وشقيت في تعلمه شقاء كبيرا!
كنا نجلس - سمير سرحان وأنا - ذات يوم في مقهى «صان صوصي» بالجيزة، وكان قد انتهى من المخطوط الأول للمسرحية الأولى التي يؤلفها منفردا، وكان يقرأ لي بعض التعديلات التي أدخلها بناء على اقتراحات رشاد رشدي، حين دخل فجأة شاب سوداني كان يدرس لدينا في قسم اللغة الإنجليزية، واسمه سيد أحمد الحردلو، وهو سمي شاعر سوداني شعبي كبير، وكان كغيره يعرف أننا كنا نختفي عن الأنظار في هذا المكان، فجلس وطلب الطعام ريثما ننتهي من القراءة، وبعد ذلك أتاني ليعاتبني، إذ كان قد بلغه أن هدى حبيشة (الدكتورة) كانت وصفت ديوانه الأول بأنه «لا يساوي تلاتة تعريفة»، وكان يتوقع من أعضاء القسم بعض التشجيع، وتولى سمير سرحان «تطييب» خاطره؛ فهو يتمتع بعبقرية خاصة في هذا الصدد، وقال له إنها كانت تقصد الطباعة ونوع التجليد، ولكن سيد أحمد كان مستاء فقال له سمير مداعبا: «إذا كنت شاعرا حقا فاكتب لنا قصيدة في مدح سجاير البلمونت التي أدخنها أنا وأنت، ولا تنس أن تهجو ما يدخنه محمد عناني.» وكنت أدخن نوعا اختفى الآن اسمه «معدن ممتاز» كانت تنتجه شركة كوتاريللي!
وفي لمح البرق بدأ سيد أحمد الحردلو يقول:
أحلى السجائر قاطبة
لما تجيء مرطبة
سيجارة البلمونت يا
ذات العطور الصاخبة
إن هاجت الأفكار في
رأسي وماجت غاضبة
فصاح سمير قائلا: «أو إن سمعت الرعد في ودانك!» وضحك سيد أحمد لأنه لم يكن يعرف دلالة المصطلح المصري، ولكنه أدرك أن سمير معترض على ما يقول، فسأله ما الخبر؟ وقال سمير: «إيه هو اللي لما تجيء مرطبة؟» فقال الشاعر: «يعني الدخان طري!» فقلت له إنها الضرورة الشعرية! فقال سمير: «ضرورة إيه؟ ده كلام عامي خالص!» ثم تحول إلي وقال لي: اكتب أنت! وعلى الفور كتبت:
ناپیژندل شوی مخ