واحات عمر: سيرة ذاتية: برخه لومړۍ
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
ژانرونه
There shallow draughts intoxicate the brain,
Drinking largely sobers us again;
وقلت في ترجمتي: «لا تقنع من العلم بنزر يسير؛ فهذا جد خطير، فإما أن تجرع كئوسه المترعة أو لا تقرب النبع المقدس. فقطراته اليسيرة تذهب بصوابنا، وجرعاته الحافلة تعيد لنا رشدنا!» وذهبت إليه فأبدى إعجابه وقال: ربما فزت بالمركز الأول! وفي الأسبوع التالي أعلن النتيجة وكان الفائز هو شوقي جمعة (المخرج في التليفزيون حاليا)، الذي أصاب قدرا أكبر من التوفيق في ترجمة مطلع البيت الثاني فأخرجه على هذا النحو: «عب منه عبا!» وكان يساعد الدكتور مجدي في الحكم أستاذ في كلية دار العلوم اسمه كامل المهندس، ويبدو أنه هو الذي رجح كفة ترجمة شوقي جمعة. وفي المسابقات التالية تعلمت ألا أغفل عن أدق إيحاءات الكلمات، فكنت أفوز بالمركز الأول دون منازع، وكانت الهدايا مغرية؛ إذ كانت كتبا مهمة في الأدب الإنجليزي، ما زلت أحتفظ ببعضها، وذات مرة شاركتني سعاد عبد الرسول في المركز الأول فلم أحزن ولم أغضب؛ فمتعة الترجمة أتاحت لي أن أجمع ترجمات عديدة لقصائد من الشعر الرومانسي، كنت أعرضها على أستاذ فيبدي لي ما يعن له من الملاحظات، حتى اكتملت عندي كراستان حافلتان.
وذات يوم دعاني الدكتور مجدي وقال لي إنه ينصحني أن أنشر هذه المجموعة (24 قصيدة) بالاشتراك مع شاب من جامعة الإسكندرية. وكان الدكتور محمد مصطفى بدوي، نظيره في جامعة الإسكندرية، قد ذكر له أن نابها اسمه عبد الوهاب المسيري (الدكتور الآن) قد ترجم عددا من القصائد يمكن ضمه إلى المجموعة. ورفضت قائلا إن الترجمة مثل التأليف لا تحتمل المشاركة، فقال لي بل أنت تريد الاستئثار بالمجد! وكانت كلمة «المجد» جديدة على مسمعي وذات وقع غريب، فأنكرت وقلت مخلصا: إنني أريد وحسب أن يعرف صاحب الأسلوب من ترجمته. فنصحني قائلا إن كنت أود ذلك حقا فعلي أن أتصل بالدكتور لويس عوض الذي كان يعمل بالصحافة، ويعتبر أقدر من ترجم الشعر الرومانسي. واتصلت بالدكتور لويس فضرب لي موعدا في مساء الأحد التالي، وعندما زرته أحسست بأن مسار حياتي الأدبية قد تحول إلى الأبد!
كانت غرفة مكتبه، في شقته بشارع القصر العيني، تمتلئ بالكتب إلى السقف، وكان يجلس إلى مكتب في ركن الغرفة وبجواره شباكان يطل كل منهما على حديقة مشمسة، وبعد أن فتح الباب لي سمعت صوتا نسائيا يسأله بالفرنسية: «من القادم؟» فأجاب بالفرنسية: «إنه رجل». وعلى الفور بدأنا نقرأ ترجمة «الملاح الهرم»، وكان يمسك بالنص الإنجليزي وأنا أقرأ النص العربي، وكان أحيانا يستوقفني ليسألني إذا ما كانت إحدى الكلمات التي استخدمتها عربية حقا، مثل كلمة السارية أو الصاري، فأؤكد له أنها فصحى، وفي ذهني يتردد صدى معركة ذات السواري أو الصواري، وهكذا حتى ننتهي. وأحيانا ما كان يزوره بعض الضيوف أثناء هذه الجلسات فيطلب منهم أن يلزموا أماكنهم ريثما نصل إلى نقطة نستطيع التوقف عندها.
وفي منزل الدكتور لويس تعرفت على بعض الشخصيات الأدبية وشهدت حواره معها، وبعض الشخصيات السياسية أيضا، وكان صريحا حادا في تعليقاته وملاحظاته وفي نقده الأدبي. فكان يقول إنه لا يؤمن بالقومية العربية؛ لأن تاريخ مصر يعزلها عزلا حضاريا عن سائر الشعوب العربية باستثناء الشام، ويقصد به بلدان «بر الشام» كلها إلا سوريا فقط؛ فالاتصال الحضاري بينهما قائم على مر التاريخ القديم والقريب، أما ثقافة الصحراء فهي غريبة على مصر، ولا تكفي اللغة الواحدة لتكوين الأمة. وعندما قرأ له أحمد عبد المعطي حجازي قصيدة يقول مطلعها:
إني هنا فوق الطريق يا حبيبي أنتظر،
الناس مروا من هنا،
مروا ذراعا في ذراع،
مروا كلاما هامسا وبسمة بلا انقطاع.
ناپیژندل شوی مخ