210

واحات عمر: سيرة ذاتية: برخه لومړۍ

واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول

ژانرونه

لن أزعجك بالتفاصيل ولكننا تزوجنا بعد أسبوع، وقررت أن يكون زواجا مدنيا؛ فهي تتصور أنني مسلم، وجواز السفر لا ينص على دين حامله، وهي لا تستبعد أن يكون اسمي القبطي من أسماء المسلمين، أو هكذا كنت أظن! إذ لم تكن تنقضي مراسم الزواج حتى قالت: «نريد أن نحتفل بزواجنا في كنيسة البلدة!» ووجمت فضحكت، وقالت: «لقد كنت أتابع أخبارك منذ رحيلي يوما بيوم، وعندما عرفت الحقيقة بدأت العمل!» وقضينا ليلة الزفاف في المنزل الذي اشتراه والدها لنا، وكنت أحس أنني قد انتقلت إلى عالم آخر؛ فالبلدة ريفية جميلة، ولا تستغرق المسافة أكثر من نصف ساعة بالقطار (لوسط لندن) ومصنع والدها ضخم وشاسع، وبه سيارات وشاحنات ومركبات منوعة، وعمال وعاملات وموظفون وموظفات - شيء رائع!

ولكن أروع ما في ذلك كله كانت كاثلين نفسها، لم أكن أتصور أن في الدنيا نساء بهذا الوصف، كانت تعاملني وما تزال كأنني محور الوجود، كأنني مركز الكون بل وسر الحياة. أرجوك لا تضحك يا عناني فأنا جاد، وقد تعلمت في هذه السنوات القليلة معنى الزواج الحقيقي، معنى الصفاء والتفاهم في كل شيء، ولأضرب لك مثلا واحدا على ذلك.

كانت كاثلين منذ أن تزوجنا تعاملني معاملة من يخشى أن يضيع صاحبه من يده، فأحسست كأنني جوهرة ثمينة، وكانت تقول لي دائما إنني حر في أن أتركها في أي وقت إذا أردت، وكانت تقول لي حذار أن تتجاهل عملك في الدكتوراه، وإذا كنت تريد العودة إلى لندن فسأعود معك، وإذا قررت أن ترجع إلى مصر فسوف أرجع معك، وأعيش بالمستوى الذي تريده. ألا تظن أنني أستطيع أن أحصل على عمل مثل بقية النساء العاملات في مصر؟ وكانت كاثلين جادة في كل شيء، فلم يحدث أن كذبت علي أو تظاهرت بغير الواقع. أما المثل الذي أريد أن أضربه لك فهو علاقتها مع أحد أصدقاء الصبا، وكنت قد اكتشفت هذه العلاقة بعد نحو عام من زواجنا ووجدت الدم الصعيدي يغلي في عروقي، وعندما خلدت إلى الصمت أولا حزنا وكمدا عند اكتشافي الأمر وجدتها تهرع إلي وتسرد القصة من البداية إلى النهاية، بكل التفاصيل التي لا أجرؤ حتى على البوح بها إليك، وبما لا تستطيع الأفلام السينمائية تصويره!

كانت مثل الذي يعترف للكاهن بالخطية، رغم أنها لم تخطئ، ولكن منبع إحساسها بالذنب هو أنها لم تفصح عن تلك القصة، وأغفلتها تماما، وعندما قلت لها ذلك قالت إنها لم تتعمد إخفاءها لكن ذلك «الولد » كان قد خرج من حياتها إلى الأبد، ولم يعد له من الوجود ما يقتضي ذكره، على عكس علاقتها مع النيجيري، فقد قصتها علي منذ البداية؛ لأنه كان أول من يدخل جنتها.

ولم يتغير سلوك كاثلين مطلقا - لا قبل ذلك ولا بعده - وما تزال تحافظ على أسلوبها الرائع في تصحيح أخطائي اللغوية، فهي تتعمد تكرار ما قلته بعد تصويبه حتى تفتح عيني على الخطأ، مهما يكن الخطأ تافها - سواء في النطق أو النحو أو اختيار الألفاظ. وإذا كنت أرسم لك صورة زوجة مثالية، مدفوعا بحبي لها، فالحقيقة أن الطابع المثالي كان طابع الزواج لا المرأة؛ فالمثالية هنا هي التوافق بل والتقارب إلى حد التطابق في النظر والإحساس والفكر، وكنت أشعر أنها تبذل في ذلك جهدا كبيرا، وكثيرا ما كانت تعبر عن مشاعري الدفينة بلغتها حين نرى فتاة جميلة أو شابا وسيما، وكثيرا ما كنا نتبادل الأسرار همسا فيما يخصنا وحدنا، وأهم من ذلك كله أنني كنت لا أشعر لوالديها بوجود في حياتنا، وكانت كثيرا ما تقول لي: لماذا لا تدعو أفراد أسرتك لزيارتنا؟ أو تلح علي أن أكتب إليهم خطابات أطمئنهم فيها على أحوالي، وكنت أكذب عليها وأزعم أنني فعلت ذلك وأفعله، وهي لا تكذبني أبدا مهما قلت. تصور ماذا يقول هؤلاء الصعايدة لو شاهدوا حماتي وهي تضع المساحيق والأصباغ أو ترتدي الشورت والميني جيب!»

وكنت على اهتمامي بما أسمع، أشتاق إلى معرفة موقفه الدراسي، وموقف أهله في مصر؛ فالموجز الذي رويته في صفحات استغرق منه ساعات، ونهضنا نسير في الهايد بارك وهو يكثر من استخدام اللغة الإنجليزية، ويتحدث بطلاقة حين يروي حادثا وقع بين الإنجليز، مما أدهشني حقا، ولكنني كنت أعرف أن المصري حين يضطر إلى اكتساب اللغة لن يتفوق عليه أحد! وأما الذي هزني هزا في ذلك الحديث فهو اللمسة الشاعرية التي كان يضفيها على الأشياء، فكان أحيانا يقول: شوف يا عناني أنت في ردنج وأنا في جيلفورد (Guildford) .. وبيننا طريق من الأشجار لكننا لا نسير فيه ولا نلتقي! وعندما وصلنا إلى «ماربل آرتش» (Marble Arch)

وهو أول شارع أوكسفورد أوقفته وطرحت عليه السؤال المباشر فأجاب: «الدكتوراه الدكتوراه! هذا هو جنون المصريين! الجميع يريد شهادة، لكنني أنجز في بحوثي ما يفوق ألف دكتوراه! إننا نعمل في مشروعات رائعة تتصل مباشرة بالسوق وبما يحتاج إليه الناس، ونشعر بالفائدة مباشرة، فلا يوجد ما هو أمتع من الإنتاج!»

وقلت مستدركا: «والمكسب المادي؟» فقال: «طبعا!» وأشار بيده إلى إحدى الصيدليات من سلسلة

Bootes

وقال: «ما أجمل أن تعرف أن إنتاجك يباع هنا!» ثم دخلنا مطعم «فورتي» (Forte)

ناپیژندل شوی مخ