واحات عمر: سيرة ذاتية: برخه لومړۍ
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
ژانرونه
ستريت وجدنا مقهى دخلناه دون كلام وجئنا بالقهوة، وانخرطنا في الحديث حتى نسينا الزمن!
كانت قصتي قصيرة وكان يعرفها، ولكن قصته كانت طويلة، وكنت أتلهف على سماعها! وعندما بدأ الحديث كان يفترض أنني أعرف الخطوط الرئيسية على الأقل، فكان يشير إلى بعض الأسماء والأماكن متوقعا مني الاستجابة، ولكنني قد ابتعدت تماما عن عالمه، فألححت عليه أن يبدأ من حيث توقفنا؛ أي منذ ما يقرب من ست سنوات! فقال «عبده»: «رحلت كاثلين في أغسطس (1966م)، وقضيت شهر سبتمبر كله وحيدا أحاول أن أعتاد الوحدة والوحشة، وآمل في كل يوم أن أراها عائدة إلى الكلية؛ فكانت ما تزال مسجلة للدكتوراه، ولكن الشهور مضت دون أن ألمح لها أثرا، ولم أتقدم تقدما يذكر في دراستي؛ إذ وجدت أنني قد تغيرت في أعماقي وأصبحت أريد كاثلين بأي طريقة! وصادقت بعض الفتيات في تلك الآونة، ولكن صورة حبيبتي كانت ماثلة دائما أمام عيني، وعندما سألت عنك وعرفت أنك تزوجت من مصرية قررت ألا أرهقك بمتاعبي، وأدرك المشرف أنني أمر بمحنة؛ فقد انتهى زملائي من الدكتوراه وتركوا الكلية، لكنني لم أكن قد انتهيت حتى من الجانب العملي الذي قد يأتي لي بالنتائج اللازمة للرسالة! وقال لي ذات يوم إنه يريد أن يراني، فذهبت إليه وسمعت منه بلهجة الإنجليز العملية ما يشبه الحكم بالإعدام! إذ نظر إلي طويلا وقال: «أنا قلق عليك.» (I’m worried about you)
وكدت أنهار لكنني تماسكت وقلت له إن لدي هموما مؤقتة، وهي عابرة ولا شك، إلى آخر ذلك الكلام، دون أن يبدو عليه أدنى اقتناع، وبعد مناقشة تفصيلية للعمل الذي كنت أقوم به قال لي: «إنك تحتاج إلى راحة. هل استشرت طبيبا نفسيا؟» تخيل! لقد ظن أنني مختل ولا أقول مجنونا! ربما بدا له أنني أعاني من اكتئاب أو من انهيار نفسي ولكن كيف يسألني هذا السؤال؟! على أي حال لم يلبث أن ابتسم وقال: «اذهب إلى مصر لزيارة الأسرة حتى يهدأ بالك! لا تتردد في الذهاب، وهذا خطاب كتبته إلى مدير مكتب البعثات، سلمه له وسوف يسمح لك بالإجازة!» وتناولت الخطاب ووضعته في جيبي وخرجت.
كنا في أواخر مايو 1967م، وأنت تذكر ما حدث بعدها للمصريين جميعا، أما ما حدث لي أنا فأغرب من الخيال! لم أذهب طبعا إلى مكتب البعثات، وظللت أحتفظ بالخطاب في جيبي أسبوعا، ثم سألت عنك فقيل لي إنك مريض، فسألت كل يوم حتى تأكد لي أنك شفيت، فقررت أن أزورك يوم 10 يونيو، للحديث في السياسة وغيرها، وكنت أريدك أن تقول لي ما أفعل بالخطاب؛ لأنني كنت ما أزال أفكر في الذهاب إلى مصر، ولو لزيارة عابرة، بعد أن تلبد ذهني تماما، وفي الصباح مر علي سامي الكاشف ليطمئن علي فقلت له ما أفكر فيه، وأريته الخطاب، فإذا به يفضه، ويقدم إلي ورقة - إلى جانب الخطاب الرسمي - بل قل مجرد قصاصة عليها عنوان كاثلين وأرقام تليفوناتها! كنت أعرف أن سامي الكاشف يعرف القصة تماما هو وإبراهيم الدويني كما قلت لك، فلم أعر لذلك أهمية لكنني كنت أرتعد أمام الاحتمالات الكثيرة؛ ترى هل أعطتها عمدا للمشرف أم نسيها المشرف في ثنايا الرسالة؟ وهل يعرف المشرف القصة؟ وقلت في نفسي: «يا داهية دقي!»
لن أطيل عليك فقد اتضح أن المشرف بريء، وأن القصاصة لم تكن في المظروف، بل أتى بها سامي من إبراهيم الذي قال إنه عرف من زميلة لها عنوانها وأرقام تليفوناتها، ولكنني كنت أجهل ذلك، وكنت أصدق كل ما يقوله سامي، فأحسست بغمامة أمام عيني، وأن الأرض تميد بي، فاقترح سامي أن نتصل بكاثي ونسألها، وكنت رغم الفرحة الغامرة أرتعد في أعماقي مما أسمعه عن مصير من يخدع فتاة أو من يعدها بالزواج ثم يخلف وعده؛ فعقوبة إخلاف الوعد
breach of promise
رهيبة، وربما لن تقف في حالة الأجانب عند مجرد «الترحيل» من إنجلترا، بل ربما صدر حكم يتضمن الغرامة والحبس أو إحدى هاتين العقوبتين كما يقولون! وسألت سامي ضارعا: ماذا علي أن أفعل مع المشرف؟ فضحك ضحكا شديدا وصارحني بالحقيقة، ثم تركني وخرج!
وعلمت فيما بعد أنه أتى خصوصا لإعطائي تلك المعلومات، وكانت لعبة دس الورقة مع الخطاب دعابة من دعاباته، ولكنني كنت ما أزال منهارا؛ فالوطن في محنة وأنا في محنة، لكنني تغلبت على مخاوفي واتصلت بالرقم الذي وجدته مطبوعا على الورقة، فردت علي فتاة رقيقة الصوت تسألني عما أريد، فقلت لها هل كاثلين موجودة؟ فقالت لي انتظر لحظة، وبعد ثوان سمعت صوت كاثي! ولم أعرف ماذا أقول، ولكن ربنا يلهمنا في هذه الحالات، فقلت لها اسمي، وعجبت من ردها العملي المفزع «أي خدمة؟ أنا الآن مشغولة، كلمني فيما بعد .. باي باي.» معقول؟ وبعد ساعة كنت في القطار المتجه إلى سري
Surrey
ولم تمض ساعة حتى كنت أطرق باب المصنع!
ناپیژندل شوی مخ