القطار القادم إلى أنقرة حاملا ركاب الآستانة يصل الساعة الرابعة بعد الظهر. ففي الصباح ركب رجاء الدين أوتوموبيلا واتجه به إلى الجهة التي يأتي منها القطار، وانتظر في محطة تبعد عن أنقرة نحو 150 كيلومترا تقريبا. وانتظر هناك إلى أن وصل، فصعد إليه بصفة كونه راكبا كسائر الركاب. ولما سار القطار قام من مكانه يتمشى من مركبة إلى مركبة كمن يبحث عن شخص افتقده أو عن مقعد يقعد عليه، حتى طاف جميع المركبات وشاهد كل الركاب، فلم يشتبه بأحد منهم كرسول لفوزي باشا. وكيف يشتبه؟ وهل لرسول فوزي باشا علامة خاصة حتى يستطيع أن يتحقق أنه هو؟
وبعد أن قدح زناد فكره طويلا قصد إلى مفتش القطار، وقدم إليه ورقة قائلا: أرجو منك أن تنفذ ما في هذه الورقة.
فنظر المفتش في الورقة مستغربا اقتراح رجل من الركاب لا يعرفه، ورأى أنها من أوراق مصلحة السكة الحديدية، فتناولها وقرأ فيها هذه العبارة:
على أي موظف من موظفي السكة الحديدية متى قدمت إليه هذ الورقة أن يفعل ما يأمره مقدمها مهما كان. وله أن يطلب من مقدمها أن يكتب فيها شكل الطلب الذي طلبه منه. وعلى الموظف أيضا أن يحتفظ بهذه الورقة لحين لزومها.
مدير مصلحة السكة الحديدية
فلما اطلع المفتش على هذه الكتابة، استغرب أمرها كل الاستغراب، وخشي أن يكون مقدمها محتالا أو مزورا. فقال له رجاء بلهجة السيد الآمر: هل فهمتها جيدا، وهل تحققت إمضاء المدير؟
فجزع المفتش وقال: نعم. ماذا تطلب مني يا بك؟ - لا أطلب إلا ثوبك، أو على الأقل معطفك الذي يدل على وظيفتك، لأني أريد أن أفتش ركاب القطار. فلا تتردد في تنفيذ أمري. وها أنا أكتب لك صيغة أمري على هذه الوثيقة واحفظها معك حجة لك.
وتبادلا في الحال الملابس الكافية والأدوات اللازمة للتفتيش. وجعل رجاء يطوف على الركاب يفتش تذاكرهم، فمن رأى أن تذكرته تدل على أنه قادم من الآستانة كان يسأله همسا: هل جنابك قادم إلى أنقرة لمقابلة شخص خاص؟
فقد يسأله صاحب التذكرة: «لماذا هذا السؤال؟» أو «أي شخص خاص؟» أو ينظر فيه مستغربا ويقول: «لا».
فكان رجاء يتوسع في السؤال حسبما يتوسم من ملامح الشخص ومن جوابه. فقد يقول له: أعني هل أنت قادم لمقابلة المشير؟
ناپیژندل شوی مخ