أترون أيها السادة أبلغ من هذه الحكاية يقصها الخطيب؛ ليقرر للناس عاقبة الطمع؟! إليكم مثالا آخر:
عاقبة الغفلة
زعموا أنه كان أسد في أجمة، وكان معه ابن آوى يأكل من فواضل طعامه فأصاب الأسد جرب، وضعف شديد وجهد؛ فلم يستطع الصيد، فقال له ابن آوى: «ما بالك يا سيد السباع، قد تغيرت أحوالك؟»
قال: «هذا الجرب الذي قد أجهدني وليس له دواء إلا قلب حمار وأذناه.» قال ابن آوى: «ما أيسر هذا وقد عرفت بمكان كذا حمارا لقصار يحمل عليه ثيابه، وأنا آتيك به.»
ثم دلف إلى الحمار فأتاه وسلم عليه، فقال له: «ما لي أراك مهزولا؟» قال: «ما يطعمني صاحبي شيئا.» فقال له: «وكيف ترضى المقام معه على هذا؟» قال: «فما لي حيلة في الهرب منه، كلما أتوجه إلى جهة أضر بي إنسان فكدني وأجاعني، قال ابن آوى: «فأنا أدلك على مكان معزول عن الناس لا يمر به إنسان؛ خصيب المرعى، فيه قطيع من الحمر لم تر عين مثلها حسنا وسمنا.» قال الحمار: «وما يحبسنا عنها؟» فانطلق به ابن آوى نحو الأسد، وتقدم ابن آوى ودخل الغابة على الأسد، فأخبره بمكان الحمار فخرج إليه وأراد أن يثب عليه فلم يستطع لضعفه، وتخلص الحمار منه، فأفلت هلعا على وجهه، فلما رأى ابن آوى الأسد لم يقدر على الحمار، قال له: «أعجزت يا سيد السباع إلى هذه الغاية؟» فقال له: «إن جئتني به مرة أخرى فلن ينجو مني أبدا.»
فمضى ابن آوى إلى الحمار فقال له: «ما الذي جرى عليك؟ إن أحد الحمر رآك غريبا فخرج يتلقاك مرحبا بك، لو ثبت لآنسك ومضى بك إلى أصحابه!»
فلما سمع الحمار كلام ابن آوى - ولم يكن رأى أسدا قط - صدقه وأخذ طريقه إلى الأسد، فسبقه ابن آوى إلى الأسد، وأعلمه بمكانه، وقال له: «استعد له فقد خدعته لك، فلا يدركنك الضعف في هذه النوبة فإن أفلت فلن يعود معي أبدا.»
فجاش جأش الأسد؛ لتحريض ابن آوى، وخرج إلى موضع الحمار فلما بصر به عاجله بوثبة افترسه بها، ثم قال: «قد ذكر الأطباء أنه لا يؤكل إلا بعد الغسل والطهور، فاحتفظ به حتى أعود فآكل كل قلبه وأذنيه وأترك لك ما سوى ذلك قوتا.» فلما ذهب الأسد ليغتسل عمد ابن آوى إلى الحمار فأكل قلبه وأذنيه رجاء أن يتطير الأسد منه فلا يأكل منه شيئا، ثم إن الأسد رجع إلى مكانه فقال لابن آوى: «أين قلبه وأذناه؟» فقال له: «ألم تعلم أنه لو كان له قلب يفقه وأذنان يسمع بهما لم يرجع إليك بعدما نجا من الهلكة؟!»
1 •••
أليست هذه مصداق الحديث: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.»؟ •••
ناپیژندل شوی مخ