ورخم قردهم داره
وأجرى إليها نمير العيون
وصارت حوائجنا عنده
ونحن - على بابه - قائمون
ويضحك منا ومن ديننا
فإنا إلى ربنا راجعون
10 (2) المسيحية في الأندلس
11 «بعد الفتح الإسلامي دان كثير من المسيحيين بدين الفاتحين، حفزتهم إلى هذا المنافع من جهة، واقتناعهم بأن الدين الإسلامي هو الدين الحق من جهة أخرى. فقد جددوا فلسفتهم في نظرية الصراع: يعتقدون أنه حيث تكون القوة يكون الحق، ويقولون للكهنة: «لو كانت المسيحية حقا فلماذا أسلم الله بلادنا - وهي مسيحية - لشيعة نبي كاذب، وقد زعمتم أنه أخذ الكاثوليكية تحت رعايته، وقصصتم علينا مجموعة من تلك المعجزات التي وقعت غيرة على هذا الدين أيام المظالم الآرية؟ لم لا تبعث هذه المعجزات مرة أخرى ؟» وقد كانت هذه الاعتراضات في العصور السابقة تسبب الحيرة والارتباك للكهنة أنفسهم الذين كانوا يجهلون كذلك لم خضع المؤمنون وذلوا أمام الملحدين!! فلما تقادم زمن الفتح حلت هذه الاعتراضات بأن المتأخرين من ملوك القوط وكهنتهم وأشرافهم كانوا أئمة مجرمين، وأن القوارع التي قرعتهم لم تكن إلا عقابا عادلا من الله، وقد كان اعتبار النكبات قصاصا عادلا، من فلسفة الأقدمين - على العموم واليهودية على الخصوص - ولقد تتجلى في أمثال سليمان سعادة الأبرار وشقاوة الفجار - في صورة مختلفة - ولما توالت النكبات على يعقوب لم يكن أصحابه ليقلعوا عن اعتباره مجرما، لولا أن برهن على طهارته وفضيلته، وكانت القرون الوسطى تطبق على التعاسة نفس هذه النظرية؛ فكان انتصار المسلمين - على الخصوص - آية الغضب الإلهي، كما كانت انتصارات المسيحيين في رأي المسلمين، وكانت تردد هذه الجملة في إيطاليا كذلك؛ وهي: «إذا انتصر المسلمون فذلك لأن الله يريد عقابنا على خطايانا!» وكذلك كان يقال في إسبانيا. وفي سنة 812 أذاع ألفونس الثاني منشورا بإملاء الكهنة قال فيه: «أيها الإله! إن القوط قد أهانوك بكبريائهم فكانوا أهلا لأن تمزقهم السيوف العربية.» وفي سنة 924 قال سنكودي نقار في منشوره بمناسبة إنشاء معبد البلد:
لقد كانت إسبانيا تحت سلطان المسيحيين، فكانت حصونها وقراها مكتظة بالكنائس، وبذلك كان الدين المسيحي سائدا في كل مكان، ولكن أسلافنا تتابعت خطاياهم، وخرجوا على وصايا الإله، فلأجل أن يعاقبهم - على ما قدمت أيديهم - ويرجعهم إلى الصراط السوي رماهم بهذا الشعب البربري.
وقال «سبستيان» بدوره: «وإنما هلك الجيش القوطى لأن الملوك والكهنة تركوا شريعة الله.» وقال كاهن باشيلوس: «عاقب الله أسلافنا في هذه الحياة الدنيا حتى لا تكون هنالك حاجة إلى عقابهم في الحياة الأخرى.» كذلك نرى المؤرخين المتحضرين من أهل الشمال قد اتهموا «وزيتا» ومعاصريه بأنهم كانوا غلاظا ملحدين؛ فأهان الكهنوت برمود الثاني ومعاصريه - بسبب ذلك - وفي رواية كاهن بشيليوس أقدم المؤرخين الذين ينقلون عنه، أن «برمود» كان عاقلا، رحيما، عادلا، وأنه كان يعمل على فعل الخير واجتناب الشر، ولكنه كان سيء الحظ، فقد حدث في عهده - وقت أن كان على عرش ليون - أن وجه المنصور إلى المسيحية أشد الضربات التي أصابتها منذ الهجوم العربي؛ فلم ينج شيء من سيوف المسلمين، ولم تكن لترى حينذاك إلا مدائن مخربة، وأديرة خاوية، وكنائس مهدمة، بل لقد وصلت الحال إلى أن سقط سبستبول، وهيكل سان جان - رأسا على عقب - وهنا رجع السؤال: «لماذا تغلب المسلمون على المسيحية؟» وأجاب الكهنة على سابق عادتهم: «ذاك عقاب على خطايانا، والمنصور هو مطرقة الغضب الإلهي.»
ناپیژندل شوی مخ