(1) الإسلام في الأندلس
1
لم يكن العرب ليكونوا الأقلية الصغيرة من مسلمي إسبانيا فحسب،
2
بل كانوا - إلى ذلك - يظهرون عدم مبالاتهم بالدين، واحتقارهم لقوانين الإسلام، مما هو منتظر من رجال تشبعوا بتقاليد البدو، وكانوا في كل أيامهم على اتصال بأمويي دمشق الدنيويين، وعلى النقيض من ذلك كانت الحال مع البرابرة، ومع مؤمني إسبانيا المسمين بالصابئين، أو المولدين، الذين يعيشون كموال في كنف أشراف العرب، فقد استمسكت تلك الطوائف بالدين الذي اتبعته استمساكا يتناسب مع مزاجها السوداوي الحار، الذي كانت تتميز به دائما، وثم ساد بين مسلمي إسبانيا إيمان صارم، يتمثل في يحيى بن يحيى المتوفى سنة 849 م، وهو أحد البرابرة ونموذج صادق لهذا الصنف.
يحيى بن يحيى
سافر إلى الشرق وسنه وقتئذ ثمان وعشرون سنة، وتلقى العلم على يد أستاذه مالك بن أنس الذي أملى عليه كتابه المعروف بالموطأ، وحدث أن كان يحيى ذات يوم في إحدى دروس مالك، ومعه عدد من الطلاب رفقائه، فقال قائل: «حضر الفيل!» فأسرعوا جميعا إلى رؤيته، ولم يتحرك يحيى من مكانه، فسأل مالك: «لم لم تذهب لتراه وليس في إسبانيا مثل هذا الحيوان؟» فأجابه يحيى: «لقد تركت بلادي لأراك وأتلقى عنك الدروس، ولم آت هنا لرؤية الفيل.» فسر مالكا هذا الجواب، وقال عنه إنه عاقل إسبانيا. ولما عاد يحيى إلى إسباينا، بذل كل ما في وسعه لنشر تعاليم مذهب سيده. ولئن كان يحيى هذا قد أصر بسبب تورعه ونسكه على رفض أي منصب من المناصب العامة؛ فقد عظم تأثيره رغم ذلك، وذاع صيته إلى حد أن وصل - كما يقول ابن حزم - إلى أنه كان لا يولى قاض في الأندلس إلا بعد أن يؤخذ رأي يحيى فيه، وإلا بعد أن يبين من يفضله على سواه من الناس.
3
وعلى ذلك فقد أصبح مذهب مالك يلي الحديث مباشرة في اتخاذه شرعا للبلاد. قال عالم من كتاب القرن العاشر: «لقد كان الإسبانيون لا يعرفون إلا القرآن والموطأ، فكانوا إذا وجدوا تابعا من أتباع مذهب أبي حنيفة أو الشافعي طردوه من إسبانيا، والويل لمن يصادفونه من المعتزلة أو الشيعة، أو من أية طائفة تنتمي إلى مذهب ما، فإنهم كثيرا ما كانوا يخمدون أنفاسه.
4
ناپیژندل شوی مخ