أقبل ياسر يسعى إلى المسجد، حتى إذا بلغ نادي بني مخزوم ألقى التحية وجلس، ولكنه لاحظ أن وجوه القوم لم تهش له، وأن أصواتهم لم ترتفع بالسلام عليه، وإنما رد بعضهم عليه تحية فاترة، ومضى بعضهم في حديثه كأنه لم يلق إلى هذا الطارئ بالا، فأسر ياسر في نفسه بعض الموجدة،
53
ولكنه لم يطل عندها الوقوف؛ فهو يعلم أن في مخزوم صلفا
54
وأنفة وكبرياء، ولولا وفاؤه بحلفه لمكان أبي حذيفة من قلبه، لتحول عن مخزوم إلى حي آخر من أحياء قريش، ولكنه وفى لأبي حذيفة بعد موته كما وفى له أثناء حياته، ولم يكن له من هذا الوفاء بد؛ فأبو حذيفة قد حفظه بعد ضيعة، وآمنه من خوف، وزوجه سمية أحب الناس إليه وآثرهم عنده، وأعتق له ولده منها قبل أن يولدوا، ثم لم يمت حتى رد إلى سمية حريتها، فأصبحت دار ياسر دار حرية كاملة، بعد أن كانت دارا نصفها حر ونصفها رقيق.
وكان ياسر قد أقبل على نادي مخزوم وفي نفسه أن يقص عليهم رؤياه تلك التي أهمته وروعته، يطرفهم بها من جهة، ويلتمس عندهم لها تأويلا من جهة أخرى، فلما رأى منهم الفتور والإعراض أمسك لسانه في فمه، وجلس صامتا لا يقول شيئا. وكانت مخزوم قد عودت ياسرا ألا تراه في ناد من أنديتها أو دار من دورها إلا داعبته وأثارت نشاطه للحديث، ولكنها تلقته في هذا الضحى فاترة عنه تكاد تنكره، لا تسأله حديثا ولا تسوق إليه حديثا، ولولا أنه تعود أن يستأني
55
بهؤلاء المستكبرين حتى يثوبوا إليه، فيعبث بكبريائهم ويسمعهم ما لم يكونوا يحبون أن يسمعوا؛ لانصرف عنهم إلى ناد آخر من أندية قريش، ولكنه أقام صامتا مستانيا يدير في نفسه الانتقام من هذا الفتور. على أنه لم ينتظر طويلا قبل أن يساق إليه الحديث؛ فهذا عمرو بن هشام يسأله فجأة: ما أخرك اليوم عنا يا ياسر؟
قال ياسر مداعبا: فقد كنت في حاجة إلى إني
56
ناپیژندل شوی مخ