أعمالهم ويسجل أخبارهم. فأما سادة قريش وقادتها وذوو المكانة في هذه الأحياء العربية التي لا تحسن كتابا ولا حسابا، ولا تسخر الزمان والمكان لأمرها، وإنما تختلس حياتها من الزمان والمكان والأحداث والخطوب اختلاسا، فلم يكونوا أحرياء
34
أن ينظر التاريخ إليهم إلا شزرا،
35
وأن يسجل من أمرهم إلا ما فيه تفكهة للأجيال المقبلة وترويح عليها وتسلية لها عن بعض ما يشغلها من الهم، فكيف بالدهماء التي لا تملك المال ولا تصرف التجارة ولا تقوم بأمر الآلهة ولا تدبر السلطان، وإنما تتسقط حياتها تسقطا وتتلقطها تلقطا، وتعيش مما يلقي إليها الأغنياء والسراة من الفتات.
36
وكان ياسر من هذه الدهماء؛ فلم يحفل به التاريخ، ولم يلتفت إليه، ولم يصحبه في حياته الطويلة، ولم يسجل غدوه على التماس الرزق، ولا رواحه على أهله بما اكتسب منه، حتى كان يوم أكره التاريخ فيه على أن يلتفت إلى الدهماء أكثر مما يلتفت إلى السادة والقادة، وعلى أن يسجل من أمر ياسر وأمثاله من عامة الناس أكثر مما يسجل من أمر حلفائه من بني مخزوم وأمثالهم من الملأ والسادة في قريش.
في ذلك اليوم نظر التاريخ فإذا أحداث ضئيلة تحدث لا يكاد الناس يأبهون
37
لها ولا يعنون بها، ولكنها لا تكاد تحدث حتى تخفق لها القلوب وتتفتح لها العقول وتضطرب لها الضمائر، وحتى تعرف الدهماء نفسها، وتشعر بحقها، وتطمح إلى هذا الحق، وتسعى إليه جادة لا وانية
ناپیژندل شوی مخ