بين يدي رسول الله في العيدين وفي الاستسقاء، حتى إذا بلغ المصلى ركز العنزة بين يدي رسول الله فصلى إليها.
وكان النبي يحب بلالا أشد الحب ويكبر من شأنه، ويريد أن يكبر الناس من شأنه. جاءته أسرة عربية تطلب إليه أن يزوج ابنتها من رجل عربي سمته، فقال لهم النبي: فأين أنتم عن بلال؟ فانصرف القوم من يومهم ذاك ولم يقولوا شيئا، ثم أقبلوا من غد على النبي، فطلبوا إليه ما طلبوا أمس، فقال لهم مثل ما قال أمس: أين أنتم عن بلال؟ فانصرف القوم ولم يقولوا شيئا. ثم أقبلوا من الغد فطلبوا إليه ما طلبوا إليه أمس وأول من أمس، فقال لهم مثل ما قال في المرة الأولى وفي الثانية: أين أنتم عن بلال؟ ثم زاد: أين أنتم عن رجل من أهل الجنة؟ فزوجوه.
وعرف الناس أن رسول الله لا يمايز بين المسلمين إلا بالتقوى والعمل الصالح وما يقدمون بين أيديهم من الحسنات. وأكبر الناس بلالا كما أكبره رسول الله، حتى كان عمر بن الخطاب يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا - يريد بلالا. وكان هذا كله خليقا أن يرضي بلالا عن نفسه شيئا، ولكن بلالا لم يرض عن نفسه قط، وإنما كان صادق التواضع مستصغرا لنفسه مهما يفعل. أقبل مرة يريد الأذان، فأحس شيئا من رضا عن نفسه، فغاظه ذلك وأنطقه بكلام كان يريد أن يكون شعرا فلم يستطع، أصاب الوزن وأخطأ القافية:
ما لبلال ثكلته أمه
وابتل من نضح دم جبينه
وكان الناس من المسلمين يأتون فيتحدثون إليه، ويذكرون ما آتاه الله من الفضل، وما اختصه به من الكرامة، فلا يزيد على أن يقول: إنما أنا حبشي، وقد كنت بالأمس عبدا.
وأقبل المسلمون يوم الفتح فدخلوا مكة ظافرين، وثابت قريش إلى الإسلام طوعا أو كرها، وعفا رسول الله عن مسيئيها، وقال لهم ما قاله يوسف لإخوته:
لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين
وحطم الأصنام، وطهر الكعبة، وأخلصها لله عز وجل، ثم قال لبلال: اصعد فأذن على ظهر الكعبة، وصعد بلال فأذن على ظهر الكعبة والحارث بن هشام وصفوان بن أمية قاعدان، يقول الحارث بن هشام لنفسه في أعماق نفسه: كيف لو رأى أخي عمرو بن هشام بلالا هذا قائما على ظهر الكعبة؟ ويقول صفوان بن أمية لضميره في أعماق ضميره: كيف لو رأى أبي أمية بن خلف هذا العبد الذي طالما عذبه وأدبه قائما على ظهر الكعبة؟ ولو استطاع الرجلان لاكتفى كل منهما بالحديث إلى نفسه، ولكنهما يريان الكعبة وقد زال عنها هبل، وزالت اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، وقام على ظهرها حبشي يعلن دين محمد إلى قوم طالما حاربوا محمدا وأصحابه، وليس منهم الآن إلا من يستجيب لدعوة محمد راضيا أو كارها.
ينظر الرجلان إلى الكعبة وقد طهرت من الأوثان، وإلى هذا الحبشي القائم على ظهرها، فلا يملك أحدهما إلا أن يهمس في أذن صاحبه: ألا ترى إلى هذا الحبشي؟! قال ذلك في صوت تملؤه الحسرة، ويجيبه صاحبه في صوت خافت تشيع فيه السخرية المرة: إن يكرهه الله يغيره. وبلال قائم على ظهر الكعبة يرفع صوته الندي قائلا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.
ناپیژندل شوی مخ