آثَارُ الإِمَامِ ابْنِ قَيّم الجَوْزِيَّةَ وَمَا لَحِقَهَا مِنْ أَعْمَالٍ (٢)
الوَابِلُ الصَّيِّبُ وَرَافِعُ الكَلِمِ الطَّيِّبِ
تَأليف الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر بْنِ أَيُّوب ابْنِ قَيِّمِ الجَوْزِيَّةِ (٦٩١ هـ - ٧٥١ هـ)
تَحْقِيق
عَبْد الرّحْمَنِ بْن حَسَن بْن قَائِد
إِشْرَاف
بَكْر بْن عَبْدِ اللهِ أَبُو زَيْد
دَارُ عَطَاءَاتِ العِلْم - دار ابن حزم
المقدمة / 1
رَاجَعَ هَذَا الجُزْءَ
حَاتِم بن عَارِف الشريف
يحْيي بن عبْد الله الثمالِي
المقدمة / 3
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، "أحمدُه حمدًا كما ينبغي لكرم وجهه وعِزِّ جلاله، وأستعينُه استعانة من لا حول له ولا قوَّة إلَّا به، وأستهديه بِهُداهُ الذي لا يَضِلُّ مَنْ أنْعَم به عليه، وأستغفره لما أزلفتُ وأخَّرْتُ؛ استغفارَ مَنْ يُقِرُّ بعبوديَّته، ويعلم أنه لا يغفرُ ذنبَه ولا يُنْجِيهِ منه إلّا هو.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدًا عبده ورسوله" (^١)، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أمّا بعدُ؛ فهذه رسالةٌ جليلةُ القَدْرِ، نبيلةُ المقْصِد، صادقةُ اللَّهجة، مُشرِقةُ المعاني، بَعَثَ بها عالمٌ ربانيٌّ إلى بعضِ إخوانِه، ليُحدِّثهم فيها -حديثَ الناصحِ الوَجِل، والمُشْفِق الحَدِب- عن ذكر الله تعالى، وما يحصُلُ به مِنْ حياةِ القلوب، وشفاءِ الصدور، ومتاعِ الأرواح، وبهجةِ الأنفس، وقُرَّةِ العَيْن، ونعيمِ الدنيا.
ولِيَقُصَّ عليهم في سُطورها منزلةَ هذه العبادة العظيمة، ورفيعَ مقامها، وجليلَ مكانِها، ووافِر هِباتِها وعوائِدها على أهلها.
وليُبَصِّرهم في أثنائها موضعَ هذه الشَّعيرة من هذا الدين، وأنها مِنْهُ بالمحلِّ الأسنى، والمقامِ الأسمى، والدَّرجةِ العاليةِ الرفيعة.
ولِيَتْلُوَ عليهمِ من كتاب ربِّهم، وحديث رسوله ﷺ بعض ما ورد بفضلها، ونَطَقَ بِشَرَفِها.
_________
(^١) "الرسالة" للشافعي (٨).
المقدمة / 5
وَلِيُعَلِّمهم هَدْيَ نبيِّهم وقُدْوَتِهم ﷺ فيها، قولًا وعملًا؛ لِيأتوا البيوتَ من أبوابِها، ويقصِدوا رضوان الله تعالى من سبيلِه الذي اختار لهم، ويَبْلُغوا مُراد الشريعة على جادَّةٍ مأمونةٍ. ومَنْ سَلك الجَدَد أمِن العِثار.
وتلك -لَعمر الله- غايةٌ جليلة، وما يوفَّق للدعوة إليها، والدلالة عليها، إلَّا موفَّقٌ ذو حظٍّ عظيم. ولمثلها سعى المصلحون، وتسابقَ أهلُ الحديث والسُّنة في التصنيف في أبواب الذكر والدعاء.
فها هو الإمام أبو القاسم الطبراني (ت: ٣٦٠) يستفتح كتابه "الدعاء" بقوله: "هذا كتابٌ ألَّفْتُه جامعًا لأدعية رسول الله ﷺ، حَداني على ذلك أني رأيتُ كثيرًا من الناس قد تمسَّكوا بأدعيةٍ سَجْعٍ، وأدعية وُضِعَتْ على عدد الأيام، ممَّا ألَّفها الورَّاقون، لا تُرْوَى عن رسول الله ﷺ، ولا عن أحدٍ من أصحابه، ولا عن أحدٍ من التابعين بإحسان، مع ما رُوِيَ عن رسول الله ﷺ من الكراهية للسَّجْعِ في الدعاء، والتعدِّي فيه،. . ." (^١) .
_________
(^١) "الدعاء" (٢/ ٧٨٥).
وانظر للاقتصار على الوارد من الأدعية والأوراد النبويَّة:
"شأن الدعاء" للخطابي (١٦)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (٢/ ٨١٦)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٤/ ١٤٩)، و(٧/ ١٤٤)، و"قواعد الأحكام" للعز بن عبد السلام (٢/ ٣٣٣)، و"تلخيص كتاب الاستغاثة لشيخ الإسلام ابن تيمية" لابن كثير (١/ ١٣٣، ١٧٠)، و"التوسل والوسيلة" (١/ ٣٤٦ - مجموع الفتاوى) و"الفتوحات الربانية" (١/ ١٧)، و"الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية" لجيلان العروسي (٢/ ٥٦٩ - ٥٩٠).
المقدمة / 6
وما زال الأئمة يُوصُون طُلاب الحديث بكتابة أبواب فضائل الأعمال والأذكار، ويحثُّونهم على العناية بِهذا الباب من العلم وتحصيله، كما يُوصُونهم بِبَثِّه ونشره.
قال عمرو بن قيس الملائي (ت: ١٦٤) -حاضًّا وناصحًا-:
"وَجَدْنا أنفع الحديث لنا ما ينفعنا في أمر آخرتنا؛ مَنْ قال كذا فله كذا" (^١) .
وقال الخطيب البغدادي (ت: ٤٦٣):
"ويستَحبُّ أيضًا إملاءُ أحاديث الترغيب في فضائل الأعمال، وما يَحُثُّ على القراءة وغيرها من الأذكار" (^٢) .
وقال الذهبي (ت: ٧٤٨):
"والعلمُ الذي في فضائل الأعمال مِمّا يصحُّ إسنادُه؛ يتعيَّن نقلُه، ويتأكَّدُ نشرُه، وينبغي للأمَّةِ نقلُه" (^٣) .
ورحلةُ الإمام المتقِن شعبةِ بن الحجاج رحمه الله تعالى في طلب حديث فضلِ الذكر بعد الوضوء؛ شَاهدٌ ناطقٌ، وصورةٌ صادقةٌ لهذه
_________
(^١) أخرجه العجلي في "معرفة الثقات" (٢/ ١٨٣ - ترتيبه)، ورواه من طريقه جماعة.
(^٢) "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (٢/ ١٥١). وانظر: "أدب الإملاء والاستملاء" للسمعاني (١/ ٣١٣).
(^٣) "سير أعلام النبلاء" (١٠/ ٦٠٤). وانظر: (٣/ ٨٤ - ٨٦).
المقدمة / 7
العناية (^١) .
وبعدُ؛ فقد نُشِرَتْ هذه الرسالة مِنْ قبلُ مرات، فأحيا اللهُ بها قلوبًا جَدْبًا، وأنْعَشَ بها أنفسًا مريضةً، وبصَّر بها أَعْيُنًا أظْلَمَتْها ظلماتُ المعصية، وأرَّقَتْها حسرات الذنوب.
وها هي اليوم تُنْشَر إلى الناس مرة أخرى -مُعْتَنًى بها على ما وَسِعَه الجهد-؛ عَلَّها تَنْشُر مَوَاتَ أفئدةٍ أخرى ران عليها الهوى، وأسكرَتْها الشهوة، واستعَبَدَتْها لُعاعَةٌ مِنْ دنيا زائلة.
_________
(^١) انظرها في: "المحدث الفاصل" للرامهرمزي (٣١٣ - ٣١٥)، و"الرحلة في طلب الحديث" للخطيب (١٤٨ - ١٥٣).
المقدمة / 8
دراسةُ الكتابِ والتعريفُ به
وتشتمل على:
* اسم الكتاب.
* إثبات نسبته إلى المصنف.
* تاريخ تصنيفه.
* الثناء عليه.
* موضوعه ومنهج المصنف فيه.
* طبعاته.
* الأصول الخطية المعتمدة.
* عملي في الكتاب.
المقدمة / 9
اسمُ الكتاب
لم يُشِر المصنِّف رحمه الله تعالى إلى تسمية كتابه هذا في فاتحته، أو خاتمته، أو أثنائه، ولا تعرَّض لذلك بشيء.
إلّا أنَّ تلميذه "علي بن محمد بن علي بن حميد الحنبلي البعلي" (^١) قال في المقدّمة القصيرة التي صَدَّر بها نسخته (ووصلتنا بخطّه): "هذه رسالة كتبها شيخنا. . . وسمّاها "الكلم الطيب والعمل الصالح"، وهي كما سمّاها".
فهل كان المصنِّفُ قد كتب هذا الاسم على ظهر نسخته، وعنها نَقَل تلميذُه، أمْ أخذه التلميذُ سماعًا منه أو من أحد أصحابه، أمْ نقله من كتابٍ آخر من كتبه؟ كلُّ ذلك محتمل.
غير أنَّ المصنِّف سمّى كتابه في موضعَيْن اثنَيْن من كتبه اسمَيْن مختلفَيْن. فقال في "طريق الهجرتين وباب السعادتين" (٧٦):
"وقد ذكرنا في كتابِ "الكلم الطيب والعمل الصالح" من فوائد الذكر. . .".
وهذا الاسمُ هو الواردُ على ظهور النُّسخ الثلاث (ت) و(م) و(ق)، وبه ذكره مُترجِموا المصنِّف: تلميذُه ابنُ رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" (٢/ ٤٥٠)، وعنه ابن العماد في "شذرات الذهب" (٨/ ٢٩٠)، والداووديُّ في "طبقات المفسّرين" (٢/ ٩٦)، وبه سمّاه
_________
(^١) لم أقف له على ترجمة.
المقدمة / 11
السّفارينيُّ في "نتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار" (١٤٦)، و"غذاء الألباب" (١/ ٦٤، ١١٤، ٤٠٩) و(٢/ ٢١١، ٢٧٧، ٣٦٩، وغيرها)، وبه ذكره البغداديُّ في "هدية العارفين" (٢/ ١٥٨) في موضعٍ.
وسمّاه المصنِّفُ في "مدارج السالكين" (٢/ ٤٤٨) اسمًا آخر، فقال: "وقد ذكرنا في الذكر نحو مائة فائدة في كتابنا "الوابل الصيّب ورافع الكلم الطيّب"، وذكرنا هناك. . .".
وبهذا ذكره حاجي خليفة في "كشف الظنون" (٢/ ١٩٩٤) (^١) .
ووهِم البغدادي حين سمّاهُ "الوابل الصيّب والكلم الطيّب" في
_________
(^١) ذكر الشيخ العلامة بكر أبو زيد في كتابه "ابن القيم حياته وآثاره" (٢٩٤) أنَّ حاجي خليفة وهِم حين عدَّ "الكلم الطيّب" و"الوابل الصيّب" كتابين لابن القيم، وأحال على "كشف الظنون" (٢/ ١٥٠٨، ١٩٩٤).
وقد ذكر حاجي خليفة في الموضع الأول كتاب "الكلم الطيّب" لابن تيمية، وذكر أن ابن القيّم ممّن شرحه (ونقل بداية كتابه، وهي بدايةُ كتابنا هذا)، لكنّه لم يُفْصِحْ عن اسم هذا الشرح (وتوقَّعَ أحمد عبيد أن يكون هو المذكور باسم "عقد محكم الإخاء. . ."، وليس الأمر كذلك؛ فإن المقدمة التي أوردها حاجي خليفة هي مقدمة كتابنا هذا)، بينما ذَكَر "الوابل الصيّب" في الموضع الثاني خِلْوًا من أيّ تعليق.
فالذي يظهر أن وهم حاجي خليفة هو في اعتباره كتابنا هذا شرحًا لكتاب "الكلم الطيب" لشيخ الإسلام. وفي تصرُّفه ما يوهم أنه يعتبر هذا الشرح و"الوابل الصيب" كتابين مختلفين، -وعليه بنى البغداديُّ في "هدية العارفين"-، لكنه لم يسمِّ الشرح بِـ"الكلم الطيب". والله أعلم.
المقدمة / 12
"هدية العارفين" (٢/ ١٥٩)، وعَدَّه بذلك كتابًا آخر؛ فأخطأ في موضعين: في اسم الكتاب، وفي اعتباره كتابًا آخر غيرَ "الكلم الطيّب والعمل الصالح" الذي كان قد ذكره من قبل.
وتابعه على عدِّهما كتابين مختلفين الشيخ محمد حامد الفقي في مقدمته لِـ"إغاثة اللهفان" (١/ ٢٦) (^١) .
ولا ريب في كونهما اسمَيْن لكتاب واحد؛ فإنّ وصف المصنِّف لهما في الموضعَيْن المتقدمَيْن (المختلفَيْن في التسمية) متفقٌ تمامًا.
وقد استظهر كونهما كتابًا واحدًا الأستاذ أحمد عبيد في مقدمته لـ"روضة المحبِّين" (ث)، وأيّده العلّامة بكر أبو زيد في كتابه "ابن القيّم" (٢٩٣ - ٢٩٤)، مع كونهما لم يذكرا النصَّ الذي نقلتُه من "مدارج السالكين"، وهو قاطعٌ في المسألة.
بقي أنه ذُكِر لابن القيّم كتابٌ بعنوان "عقد محكم الإخاء (^٢) بين الكلم الطيب والعمل الصالح المرفوع إلى السماء".
فهل هو كتابٌ مستقلٌّ، أم هو اسمٌ آخر لكتابنا هذا؟
تقدَّم توقُّعُ أحمد عبيد أن يكون هو الكتاب الذي ذكر حاجي خليفة أن ابن القيّم شرح به "الكلم الطيّب" لشيخه، ولم يُسمِّه (حاجي
_________
(^١) نَقَل الشّيخُ الفقي ذلك عن مقدمة الأستاذ أحمد عبيد لـ"روضة المُحِبِّين"، إلّا أنه أعرض عن إشارته إلى احتمال كونهما كتابًا واحدًا.
(^٢) وردت هذه الكلمة في بعض المصادر: "الأحباء"، وفي بعضها: "الاحقاء"، ولعلّ الصواب ما أثبتّ.
المقدمة / 13
خليفة)، كما تقدّم ردُّ ذلك وبيانُ ضعفه.
واحتمالُ كونه اسمًا آخر للكتابِ، تصرَّفَ فيه بعض النُّسَّاخ المُغْرَمين بالأسجاع = واردٌ جدًّا (^١) .
والخلاصة .. أنّ للكتاب اسمين اثنين ذكرهما المصنِّف:
"الكلم الطيب والعمل الصالح"، وهذا هو الوارد في كُتبِ التراجم وظُهور أكثر النُّسَخ.
و"الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب"، وهو المشتهر الدائر على الألسنة، والذي لا يكاد يُذكر غيرُه عند أبناء العصر؛ بسبب نشر الكتاب به، وإن كان أغلبُ ناشريه قد غيّر في هذا الاسم قليلًا، فطُبع مرارًا بعنوان "الوابل الصيب من الكلم الطيب"، وكذلك هو في مقدمة أحمد عبيد لِـ"الروضة"، وتابعه الفقي في مقدمته لِـ"الإغاثة".
وورد في "كشف الظنون" بلفظ "الوابل الصيّب في الكلم الطيب"، وهو المثبت على ظهر النسخة (ح)، وفي "هدية العارفين": "الوابل الصيّب والكلم الطيب"، وكلُّ ذلك تصرُّفٌ، والله أعلم.
ويُشْبِهُ أن يكون هذا الاسم هو الاسمُ العَلَمِيُّ للكتاب، ويكون الاسم الآخر اختصارًا له من المصنّف ومترجميه بما يدلُّ على موضوعه، ولذلك نظائر كثيرة (^٢) .
_________
(^١) وقد يُقَوِّيه أنَّا لم نَر من نقل منه، أو عزى إليه.
(^٢) انظر: "ابن قيم الجوزية" للشيخ بكر (١٨٥).
المقدمة / 14
ويرشِّحُه: ما عُرِف به ابن القيِّم من التفنُّن في صياغة أسماء مصنفاته، واحتفاله بالسجع فيها، ومن المستبعد أن يسمِّي كتابه باسم كتاب شيخه ابن تيمية، فيفتح بذلك للإيهام بابًا، وما الذي يلجئه إليه ويضيِّق عليه سبيل الاختيار؟!
ولذا آثرتُ إثبات هذا الاسم على لوحة الكتاب، مع هذه الإشارة هنا إلى الاسم الآخر.
المقدمة / 15
إثباتُ نِسْبةِ الكتابِ إلى المصنِّف
لا ريب في صحة نسبة هذا الكتاب إلى الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى، ودلائل ذلك كثيرة متوافرة، منها:
١ - ذِكرُ المصنِّف له في بعض كتبه، مُشِيدًا به، مُبَيِّنًا لموضوعه.
قال في "طريق الهجرتين" (٧٦):
"وقد ذكرنا في كتاب "الكلم الطيّب والعمل الصالح" من فوائد الذكر: استجلاب ذكر الله سبحانه لعبده، وذكرنا قريبًا من مائة فائدة (^١) تتعلّق بالذكر، كلُّ فائدةٍ منها لا نظيرَ لها، وهو كتاب عظيم النفع جدًّا".
وقال في "مدارج السالكين" (٢/ ٤٤٨):
"وقد ذكرنا في الذكر نحو مائة فائدة في كتابنا "الوابل الصيّب ورافع الكلم الطيّب"، وذكرنا هناك أسرار الذكر، وعظم نفعه،. . .".
٢ - نَقْلُ العلماء عنه، واستفادتهم منه.
فَمِمَّنْ نقل عنه فأكثرَ: السفارينيُّ في كتابيه: "نتائج الأفكار في
_________
(^١) كذا قال المصنِّف هنا، وفي "المدارج".
وقال في الكتاب (ص: ٩٤): "وفي الذكر نحوٌ من مائة فائدة"، ثم ساق اثنتين وسبعين فائدة، وذكر بعد ذلك (ص: ٢٢٥) فائدة أخرى.
فلعله ذكر "المائة" تغليبًا، وجَبْرًا لِلكسر، أو لعلّها كذلك في نفس الأمر عنده، وإنّما ذكر أهمّها وأجلاها.
المقدمة / 16
شرح حديث سيد الاستغفار": (١٤٦ - ١٥١، ١٥٦ - ١٥٨، ١٧٢ - ١٨١، ١٨٤، ٣٤١ - ٣٤٤، ٣٧٩ - ٣٨١)، و"غذاء الألباب" (١/ ٦٤، ١١٤، ٤٠٩) و(٢/ ٢١٠ - ٢١١، ٢٧٧، ٣٦٩، ٣٧٨، ٤٧٠، ٤٨٨ - ٤٨٩، ٤٩٢، ٥٧٦ - ٥٧٧)، صرَّح باسمه والنقلِ عنه في مواضع، وأغفل ذلك في أخرى (^١) .
ونقل المرداويُّ في "الإنصاف" (١/ ١٣٨)، وعنه جماعة من فقهاء الحنابلة، عن ابن القيِّم نصًّا من كتابنا هذا، ولم يسمِّه.
٣ - ذِكْرُ عامّة مُترجمي المصنِّف له ضِمْنَ سياق تصانيفه.
وقد تقدّم ذكرُ بعضهم عند البحثِ في اسم الكتاب.
٤ - وُرودُ نِسْبَته إلى المصنِّف على ظهور الأُصول الخطِّية المعتَمَدة.
٥ - نَفَسُ الإمام ابن القيِّم ظاهر في الكتاب غايةَ الظُّهور، وطريقَتُه في صياغةِ أفكاره، وأسلوبُه المُميَّزُ في تحرير مسائلِ العلم، وعباراتُه وألفاظُه التي يكثُر دورانُهَا في إنشائِه = لا تُخَطِئُها -في هذا الكتاب- عينٌ أَلِفَتْ النّظر في تصانيفه.
٦ - اتّفاقُ كثيرٍ من الأفكار، والاختيارات، والنُّقولِ (الخاصّة منها،
_________
(^١) ووهم وهمًا غريبًا في مقدمة "غذاء الألباب" (١/ ١٢) وهو يسمِّي موارده فيه، إذْ سمَّى كتاب ابن تيمية: "الوابل الصيب في الكلم الطيب"، وكتاب ابن القيِّم: "الكلم الطيب والعمل الصالح"!، ولم أره نقل في كتابه عن كتاب ابن تيمية شيئًا.
المقدمة / 17
كالنَّقْلِ عن شيخ الإسلام ابن تيمية) في الكتاب مع ما هو موجودٌ في كتب ابن القيم، وقد أشرتُ إلى بعضِ ذلك في تعليقاتي.
المقدمة / 18
تاريخُ تصنيفِ الكتاب
ليس بين أيدينا نصٌّ يهدي إلى معرفةِ تاريخ كتابةِ المصنّف لهذا التأليف على وجه اليقين، أو إلى الوقوف على ترتيبه الزَّمني بين كتُبه؛ إلّا ما ورد منْ ذِكْره له في كتابيه: "طريق الهجرتين"، و"مدارج السالكين"، ووصفِه له فيهما، وإشادته به، ممّا يُبيِّنُ أسْبقيَّته في التأليف عليهما.
وثَمَّةَ ملاحظةٌ قد تُعين -إن ثبتت- على تقريب العلم بزمن تأليف الكتاب، وتُساعِدُ على تحديده. وهي أنّ ابن القيّم نَقل عن شيخِه المزِّيِّ أبي الحجّاج في مواضع عديدةٍ من كتبه (^١)، كما نَقل عنه في هذا الكتاب، إلّا أنّ نقله عنه هنا ورد بصيغة ذاتِ دلالةٍ خاصَّة، إذْ قال: "وقال شيخنا أبو الحجاج المِزِّيّ ﵀: إسناده على شرط البخاري" (^٢).
فإذا ثبت هذا، وعَلِمْنا أنَّ وفاة المزِّيِّ كانت سنة ٧٤٢، ووفاة ابن القيّم كانت سنة ٧٥١؛ خرجنا من ذلك بأنَّ تأليف الكتاب كان في هذه السنوات التسع ما بين هذَيْن التاريخَيْن.
لكنَّ ممّا يُضْعِفُ هذه القرينة تفرُّدُ النّسخة (م) بهذا النَّقلِ دون باقي النسخ، واحتمالُ إلحاقِ المصنف له بعد حينٍ من تأليفه، وكذا احتمالُ
_________
(^١) انظر: "ابن القيّم، حياته، آثاره، موارده" للشيخ بكر أبو زيد (١٧٧).
(^٢) انظر: الكتاب (ص: ٢٨٦).
المقدمة / 19
تصرُّفِ الناسخ في صيغة الدّعاء؛ فيبقى الأمر على الاحتمال، والله أعلم.
المقدمة / 20
الثناء على الكتاب
قال يوسف بن الحسين بن زبارة (ت: ١١٧٩) (^١):
إنْ رُمْتَ تجني ثمرات الغِنى ... فاعكُفْ لِدَرْسِ "الكلم الطَّيِّبِ"
فهو كتابٌ لم يَزَل فضلُه ... أشهرُ من فضلِ "أبي الطيِّبِ" (^٢)
وقال أحمد بن محمد بن إسحاق (ت: ١١٩٠) (^٣):
إنْ رُمْتَ رَفْعَ العمل الصالح ... فاقْطِفْ زهور "الكلم الطَّيِّب"
وارْشُفْ بِثَغْرِ الفِكْرِ مِنْ لفظه ... رحيق معنًى رائقٍ أطْيَبِ
ودَعْ "قفا نَبْكِ" و"قالوا غدًا ... نأتي إلى الشِّعْبِ حِمى الأشنب" (^٤)
وقال صديق حسن خان -بعد أن ذكر طائفة من تصانيف ابن القيِّم، ومنها هذا الكتاب-: "وظنِّي أنَّ من كان عنده تصنيفٌ من تصانيف هذا الحبر العظيم الشأن، الرفيع المكان، أو تصنيف شيخه. . . = لكفى لسعادة دنياه وآخرته، ولم يحتج بعد ذلك إلى
_________
(^١) كان من أكابر علماء عصره. ترجمته في "نشر العرف" (٣/ ٣٨٣ - ٣٩٠)، و"ملحق البدر الطالع" (٢٣٨) لمحمد بن محمد زبارة.
(^٢) مِنْ ظهر نسختي مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير بصنعاء، رقم (٤٧٣)، و(٥٠٦).
(^٣) من أكابر العلماء المحققين. كذا نعته الشوكاني في "البدر الطالع" (١/ ٩٧ - ٩٨)، وانظر: "نشر العرف" (١/ ٢٣٧ - ٢٤٨).
(^٤) مِنْ ظهر النسختين السابق ذكرهما.
المقدمة / 21
تصنيف أحد من المتقدمين والمتأخرين في درك الحقائق الإيمانية إن شاء الله تعالى" (^١) .
والعباراتُ المذكورة في إطراء تصانيف ابن القيِّم، وتنَوُّقِه فيها، وتجويده لها، وقبول جميع الطوائف وانتفاعهم بها؛ كلُّها تصدقُ على هذا التأليف.
وقد تقدم نقل عبارات المصنِّف في الثناء على كتابه هذا بما يغني عن إعادته هنا.
_________
(^١) "أبجد العلوم" (٣/ ١٤٣).
المقدمة / 22
موضوعُ الكتاب ومنهجُ المصنِّف
* موضوع الكتاب: رسالةٌ بعث بها ابنُ القيِّم إلى بعض إخوانِه، كما يقول تلميذه "علي بن محمد بن علي بن حميد الحنبلي البعلي" في صدر نسخته التي وصلتنا بخطه، وهي فائدة لم تذكر -فيما رأيت- في شيء من المصادر المعتنية بالإمام وتصانيفه.
وقطبُ رحى الرسالة، وإنسانُ عينها، كما يشيرُ إليه العنوانُ الذي اختاره المصنِّفُ لها = يدور على بيان فضل ذكر الله ﷿، وعظيمِ أثره وفائدته، وجليل مكانته ومنزلته، ورفيع مقامِه ودرجتِه، وجزيلِ الثواب المُعَدِّ لأهله، المُتَّصِفين به، في الآخرة والأولى.
وقد سلك المصنِّف لعرض هذا الموضوع مسلكًا -في التأليف- بديعًا غير مألوف، وانتهج له فيه سبيلًا غير مطروقةٍ، وأخذ بيدِ قارئه، فمازال به يُمهِّد له القول، ويبعثُ فيه الشّوق، وهو يَجُوزُ به الطريق منزلةً منزلةً = حتى وقع به عليه، دون أن تَلْحَقه وحشةٌ، أو يعتريه ملال.
ذلك أنه لم يَصْمُد إليه صَمْدًا، ولا قصده بالقول من أوّل الأمر، وإنما جعله ضمن شرحه لحديث الحارث الأشعريِّ الطويل: "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات. . ." الحديث، فجاء في موضعه منه غايةً في الانسجام ولُطفِ التدبير.
افتتح المصنّفُ الكتابَ بمقدّمة لطيفةٍ ذكر فيها الطِّباق التي لا يزالُ العبدُ يتقلَّبُ فيها دهرَه كلَّه، وأشار إلى حظِّ الشيطان منه، ومداخله إليه، ثمَّ ابتدأ فصلًا نافعًا عن استقامة القلبِ، وبيَّن أنها تكون بشيئين،
المقدمة / 23