وكان كريما مبذالا فاشترك في أكثر الجمعيات الخيرية التي كانت في عصره، ورأس في سنة واحدة اثنتين وسبعين جلسة من جلساتها، وكان محبا للعلم والتعليم وهو أول من أنشأ مدرسة لتعليم الجنود، ولكرمه وبذله وسعيه في مصالح الناس كان يقصد من كل فج فلا يخيب طالبا، قيل إنه كان عائدا مرة من ألمانيا إلى إنكلترا فأصابه الدوار واشتد عليه ورآه أحد المسافرين على تلك الحالة، فقال لأحد خدمه قل لمولاك إن معي دواء يريحه من ألم الدوار، فلما قال له ذلك قال: من هذا الرجل الذي همه أمري وأراد تخفيف كربي؟ فقيل له هو رجل ذاهب إلى إنكلترا في طلب الرزق. فقال: قولوا له أن يوافيني إلى قصر الملك بعد وصوله، فوافاه إلى هناك فسعى له في منصب يليق به.
شكل 2-1: الأميرة تشارلت.
هذا من قبيل دوق كنت أبي الملكة فكتوريا، أما أمها فاسمها فكتوريا أيضا وهي ابنة دوق ألماني وأخت البرنس ليوبولد زوج الأميرة تشارلت الذي صار ملكا لبلاد البلجيك سنة 1831، ولدت سنة 1786 واقترنت بأمير ألماني فمات عنها سنة 1814 ولها منه ولدان صبي اسمه تشارلس وابنة اسمها فيودورا.
ورآها دوق كنت وهو يفتش عن زوجة فأعجبه حسنها ورائع أدبها، فاقترن بها في الخامس عشر من شهر يوليو (تموز) سنة 1818 وهو موقن أن الملك يصل إليه وينتقل إلى نسله؛ لأنه كان أقوى من إخوته بنية، وأجود منهم صحة، ولما علم أنها حامل أسرع بها إلى البلاد الإنكليزية؛ لكي تلد فيها ويكون المولود إنكليزيا مولدا فولدت له الملكة فكتوريا في الرابع والعشرين من شهر مايو (أيار) سنة 1819، وفرح بولادتها فرحا عظيما، وكان ينظر إليها معجبا ويقول: اعتنوا بها فإنها ستكون ملكة إنكلترا يوما ما. ولما جاء الشتاء انتقل بها إلى سواحل ديفونشير؛ لأنها أقل بردا من مدينة لندن فقضى البرد عليه؛ وذلك أنه ذهب يوما في طريق كثير الثلج وعاد وحذاؤه مبلل، وفيما هو ذاهب إلى غرفته رأى ابنته مع المرضع فوقف يلعب مع الابنة إلى أن أصابته قشعريرة من تبلل حذائه وبرد رجليه، وتبع القشعريرة التهاب في رئتيه قضى عليه في عشرة أيام، فحزنت عليه زوجته والبلاد الإنكليزية حزنا شديدا، وأوصى قبل وفاته أن تكون زوجته وصية على ابنته فقامت بحق الوصاية أحسن قيام كما سيجيء، وتركت بلادها وأهلها لكي تربي ابنتها في البلاد الإنكليزية على الأخلاق الإنكليزية، وقد ربتها حتى يكون غرضها الأول أن تسلك مع شعبها سلوكا يجعله أمينا لها مقيما على ولائها، ونجحت فيما توخته النجاح التام، فشكرتها الأمة الإنكليزية وأحبتها العائلة المالكة ورأت بعينيها نجاح عملها وتوفيق الله له، وهذا هو السرور الأكبر.
الفصل الثالث
حداثة الملكة
ولدت الملكة فكتوريا في قصر كنسنتون بمدينة لندن في الرابع والعشرين من شهر مايو (أيار) سنة 1819 كما تقدم وعمدت (نصرت) في الشهر التالي، وحضر عمادها عمها الأكبر وكان نائبا عن الملك، وعمها الثاني دوق يورك نائبا عن قيصر الروس إسكندر الأول، واقترح أن تسمى ألكسندرينا جيورجينا نسبة إلى قيصر الروس وملك الإنكليز، فاعترض عمها الأكبر على ذلك وقال: لا أريد أن يجعل اسم الملك تاليا لاسم آخر فليدع اسمها ألكسندرينا فكتوريا باسم القيصر واسم أمها، فسميت كذلك وغلب عليها اسم فكتوريا وحده، وسندعوها باسم الأميرة فكتوريا فيما يلي إلى أن تعطى لقب ملكة.
شكل 3-1: أم الملكة فكتوريا.
وكانت قوية البنية من صغرها فمرت الأيام والأعوام وهي تنمو وتتقوى وتزيد جمالا واعتدالا على رزانة ودعة ووقار كما شهد الذين رأوها في صغرها، ومرت عليها مخاطر كثيرة فحفظتها العناية منها. كان ولد يرمي العصافير بجانب غرفتها وهي في الشهر السادس من عمرها، فمر الخردق (الرش) بجانب رأسها تماما ولكنه أخطأها ، ولما كان لها أربع سنوات من العمر كانت سائرة في مركبة يجرها فرس من الأفراس الصغيرة القد فقلبت المركبة بها، وكان أحد الجنود مارا فأسرع إليها وأخرجها من المركبة قبل أن تصل إلى الأرض فنجاها من الموت وهو لا يعلم من هي فجوزي في الحال بجانب من المال.
شكل 3-2: الأميرة فكتوريا في السادسة من عمرها.
ناپیژندل شوی مخ