وسعى العلماء والأطباء في اكتشاف أسباب الأمراض والوقاية منها وساعدتهم المجالس البلدية على اتخاذ التدابير الصحية، فقل معدل الوفيات وخفت وطأة الأوبئة، فزاد عدد السكان زيادة عظيمة حتى ملئوا الجزائر الإنكليزية، وهاجر أكثر من تسعة ملايين منهم لتعمير مستعمراتها الوسيعة، وللانضمام إلى إخوانهم في الولايات المتحدة الأميركية، وحيثما ذهبوا أخذوا معهم لغتهم وعلومهم ومبادئ الحرية والإنصاف التي نشئوا عليها، وهذا سر نجاحهم في مستعمراتهم، فإنهم لا يكتفون برفع رايتهم على البلدان التي يفتحونها بل يرتحلون إليها ويسكنون فيها ويشاركون أهلها في تعميرها.
وقد زادت مستعمراتهم في هذه الأثناء زيادة لا مثيل في تاريخ الممالك، فزادت مساحتها في بلاد الهند 275 ألف ميل مربع؛ أي أكثر من مساحة بلاد النمسا، وفي سائر آسيا 80 ألف ميل مربع؛ أي قدر مساحة بريطانيا نفسها، وفي جنوبي إفريقيا 200 ألف ميل مربع، وفي شرقيها مليون ميل مربع، وكانت مساحة البلاد الإنكليزية ومستعمراتها حينما جلست الملكة على سرير الملك 8329000 ميل مربع، فبلغت الآن 11250000 أي زادت 2921000 ميل مربع في ستين سنة، وكان عدد سكانها 168 مليونا فبلغ الآن 400 مليون، وكان عدد الإنكليز في جزائرهم 25750000 وفي مستعمراتهم نحو 1500000 فبلغ عددهم الآن في جزائرهم 39500000 وفي مستعمراتهم 10500000 أي زاد عددهم من 27 مليونا إلى خمسين مليونا عدا الذين هاجروا منهم إلى الولايات المتحدة الأميركية، وكان دخل الحكومة الإنكليزية منذ ستين سنة نحو 75 مليون جنيه 50 منها في بريطانيا و25 من الهند، وهو الآن 110 ملايين جنيه من بريطانيا و63 مليون جنيه من الهند و30 مليون جنيه من أستراليا و8 ملايين جنيه من كندا و7 ملايين جنيه من بلاد الراس، و7 ملايين من سائر المستعمرات الإنكليزية، وجملة ذلك 225 مليون جنيه.
واتسع نطاق التعليم والتهذيب في الممالك الإنكليزية بنوع عام وفي البلاد الإنكليزية الأصلية بنوع خاص، فبلغ عدد تلامذتها اليوم ستة ملايين ونصف، وكانوا قبلا 250 ألفا فقط، وبلغت الأموال التي تنفقها الحكومة على التعليم عشرة ملايين جنيه، وكانت لا تزيد على مليون جنيه.
ولانتشار المعارف واستتباب الأمن اتسع نطاق الصناعة، فمن بعد ما كان الإنكليز يستخرجون عشرين مليون طن في العام من الفحم الحجري، ومليونا وخمس مليون طن من الحديد في السنة صاروا يستخرجون الآن 190 مليون طن من الفحم الحجري و
مليون طن من الحديد، وباتساع نطاق الصناعات والمستعمرات اتسع نطاق التجارة اتساعا لم يسمع بمثله في سابق الأعصار، فقد كانت قيمة الصادر والوارد في بدء ملكها 260 مليون جنيه في السنة فصارت الآن 738 مليونا، وكان محمول سفنها التجارية نحو مليونين ونصف مليون طن، فصار الآن تسعة ملايين طن، وزاد طول السكك الحديدية فيها من 2400 ميل إلى 21000 ميل، وكانت قيمة الصادر والوارد إلى مستعمراتها 49 مليون جنيه، فبلغت الآن 484 مليون جنيه.
وزادت ثروة الأمة الإنكليزية في بلادها من ألفي مليون جنيه إلى عشرة آلاف مليون، وزادت أسباب الرفاهة والنعيم على أكثر من هذه النسبة، وزاد المال الذي يقتصده فقراء الأمة في بنوك الاقتصاد من
مليون جنيه إلى 150 مليونا.
وكثر عدد المحسنين، فبنوا ملاجئ للأرامل والأيتام والمنقطعين وبيوتا صحية للفقراء على اختلاف طبقاتهم، ومن هؤلاء المحسنين بيبدي الغني الأمريكي الذي وهب فقراء لندن خمسمائة ألف جنيه، ولما كانت الملكة شاعرة بكل ما يجري في مملكتها كما يجب أن يكون الرأس في الجسم الحي، عرفت قدر هذه الهبة وكتبت إليه تقول:
بلغ الملكة أن المستر بيبدي عزم على العودة إلى أميركا، وهي لا تريد أن يترك بلادها من غير أن تثبت له شدة اعتبارها للعمل الشريف والهبة التي تفوق هبات الملوك التي أراد بها تخفيف المصايب عن الفقراء من رعاياها المقيمين في مدينة لندن، وفي اعتقاد الملكة أن هذا العمل الشريف لا مثيل له بين أعمال الناس، وأفضل جزاء له ما شعر به عامله من السرور حينما يعلم مقدار النفع العظيم الذي نفع به أولئك المساكين، ولم تكن الملكة لترضى بإظهار شكرها من غير أن تعطي المستر بيبدي علامة من علامات دولتها تدل على اعترافها بفضله العظيم، وكانت تسر لو منحته رتبة عالية أو نشانا ساميا ولكن بلغها أن المستر بيبدي ممنوع من قبول ذلك بقوانين بلاده، فلم يبق للملكة والحالة هذه سوى أن تقدم له هذه السطور المعربة عما تشعر به من الشكر وتطلب منه أن يقبل منها صورة من صورها تصور له خاصة، ومتى تم تصويرها ترسل إليه إلى أميركا أو تعطى له حينما يعود إلى هذه البلاد؛ إذ بلغها ما سرها وهو أنه عازم على العودة إلى هذه البلاد المديونة له دينا عظيما.
وصنعت الصورة حسب إشارة الملكة، وهي أول مرة صنعت فيها صورتها لتهدى إلى غير الملوك، والصورة من المينا على لوح من الذهب يحيط بها برواز كبير من الذهب الإبريز وعليه التاج الملكي والملكة فيها لابسة الحلة الملكية التي فتحت بها البارلمنت، وهي الحلة الملكية الوحيدة التي لبستها بعد ترملها.
ناپیژندل شوی مخ