فلما ظهرت هذه البدع في وقت شيخ الإسلام ابن تيمية بذل طاقته ﵀ وجهده في نصح المسلمين وتحذيرهم من خطورة ما عليه كثير من المسلمين من الانحراف والضلال بوقوعهم في الشرك وهم لا يشعرون، فظهر في كلامه الدعوة إلى توحيد الألوهية، وأبان عن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أنواع،وأن تلك الأنواع الثلاثة مطلوبة من العبد لا يغني واحد منها عن الآخر، كما أنا نقول إن الله موصوف بصفة السمع والبصر والقدرة والحياة ونحو ذلك. والمطلوب من العبد الإيمان بكل ذلك أنه من صفات الله تعالى، كذلك
التوحيد المطلوب من العباد أن يؤمنوا به هو أن الله ﵎ له الأسماء الحسنى والصفات العلى،وأن لا رب غيره، وأن لا يعبد إلا هو، فلا يشرك معه في العبادة غيره.
وهو في تقسيمه ﵀ إنما هو متبع لمن سبق من العلماء لا مبتدع في تقسيم التوحيد.
ونشير هنا إلى أن دأب السلف ﵏ أنه كلما ظهرت بدعة من البدع تكلم فيها ونصح للأمة فيها من عاصرها من العلماء والأئمة، ويكون من تقدم منهم على تلك البدعة فلم تظهر في زمانه لا يوجد له كلام فيها، مع أن الحق الواضح والراد على كل بدعة موجود ضمن الشرع في كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ، وإنما يستنبطه من الشرع أهله.
فلو نظرنا في بدعة نفي الصفات فإنا لا نجد أحدًا من الصحابة تكلم فيها، وذلك لأنها لم تظهر في زمانهم،وإنما ظهرت في زمن التابعين فكثر كلام التابعين فيها بخلاف بدعة الخوارج فإنا نجد للصحابة كلامًا كثيرًا فيها، وذلك لأنهم أدركوها. وكذلك بدعة نفي القدر أدركها صغار الصحابة فظهرت في كلامهم،وأبانوا عن بطلانها وردوا على دعاتها.