أولها: الفرق بين ذات الخالق وذات المخلوق، حتى ينفى عنه ما يليق بالمخلوقين في كل معنى من المعاني، صغيرها وكبيرها، وجليلها ودقيقها، حتى لا يخطر في قلبك في التشبيه خاطر شك ولا توهيم ولا ارتياب، حتى توحد الله سبحانه باعتقادك وقولك وفعلك. فإن خطرت على قلبك في التشبيه خاطرة شك، فلم تنف عن قلبك بالتوحيد خاطرها، وتمط باليقين البت والعلم المثبت حاضرها، فقد خرجت من التوحيد إلى الشرك، ومن اليقين إلى الشك، لأنه ليس بين التوحيد والشرك، وبين اليقين والشك، منزلة ثالثة. فمن خرج من التوحيد فإلى الشرك مخرجه، ومن فارق اليقين ففي الشك موقعه.
والوجه الثاني: فهو الفرق بين الصفتين، حتى لا تصف القديم بصفة من صفات المحدثين.
والوجه الثالث: فهو الفرق بين الفعلين، حتى لا يشبه فعل القديم بفعل المخلوقين، فمن شبه بين الصفتين، ومثل بين الفعلين، فقد جمع بين الذاتين وخرج إلى الشك والشرك بالله، وبرىء من التوحيد والإيمان بالله، وصار حكمه في ذلك حكم من أشرك، اعتقد ذلك وامترى فشك. فهذه جملة التوحيد المضيقة التي لا يعذر من اعتقادها، والنظر في معرفتها، عند كمال الحجة أحد من العبيد، فمن مكن بعد بلوغه وكمال عقله، وقتا يكمل فيه معرفة العدل ويمكنه، فتعدى إلى الوقت الثاني وهو جاهل بهذه الجملة، فقد خرج من حد النجاة، ووقع في بحور الهلكات، حتى يستأنف التوبة، ويقلع عن الجهل والغفلة، بالنظر في معرفة هذه الجملة التي لمعرفتها خلق الله الخلق، وهي {فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم:30].
مخ ۳۶۰