Usul al-Fiqh al-Ladhi la Yasa‘ al-Faqih Jahluh
أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله
خپرندوی
دار التدمرية
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م
د خپرونکي ځای
الرياض - المملكة العربية السعودية
ژانرونه
أصول الفقه
الذي لا يسع الفقيهَ جهلُه
تأليف
أ. د. عياض بن نامي السلمي
عضو هيئة التدريس بقسم أصول الفقه
بكلية الشريعة بالرياض
ناپیژندل شوی مخ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، وترفع الدرجات، أحمده على آلائه ونعمه، وأعوذ به من عذابه وغضبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، بعثه الله بالحق بشيرًا ونذيرًا، فبشر ويسر، وحذر وأنذر، حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد طلب مني كثير من الإخوان في مناسبات عديدة أن أكتب كتابًا في أصول الفقه يكون متوسطًا في حجمه، جامعًا لأهم مسائل هذا العلم، مع وضوح العبارة وضرب الأمثلة التي تقربه للفهم وتظهر فوائده لطلاب العلم.
وقد رأيت أن أجيب طلبهم بتأليف كتاب يحتوي على ما لا يستغني عنه الفقيه من أصول الفقه، مع تجنب الإطالة في مسائل الخلاف، والاكتفاء بالأقوال المشهورة وأهم أدلتها، والعناية ببيان حقيقة الخلاف، وتصحيح ما يقع من الوهم أو سوء الفهم للمشتغلين بهذا العلم في تحرير مسائله وتقريرها وتصويرها.
وقد عُنيتُ عنايةً خاصة بثمرات الخلاف، والوقوف عند بعض القضايا الشائكة وتحريرها وتقريبها للفهم، وقد أخالف ما عليه أكثر الأصوليين في اختيار رأي أو تعريف، أو نحو ذلك، لا رغبةً في المخالفة، ولكن إيضاحًا لما أعتقده من الحق، أو تصحيحًا لخطأ نشأ عن سوء الفهم أو تضارب النقول عن أئمة الأصول.
1 / 3
وقد اجتهدتُ في أن يكون الكتاب شاملًا للمناهج التي تدرس في كليات الشريعة وأصول الدين في الجامعات السعودية؛ رجاء أن يكون الطلابُ أولَ المستفيدين منه.
وليشمل الكتاب جميع المسائل المهمة في أصول الفقه قسمته إلى تمهيد وستة أبواب وخاتمة، على النحو التالي:
التمهيد: التعريف بأصول الفقه.
الباب الأول: الحكم الشرعي.
الباب الثاني: أدلة الأحكام الشرعية.
الباب الثالث: دلالة الألفاظ.
الباب الرابع: التعارض وطرق دفعه.
الباب الخامس: الاجتهاد.
الباب السادس: التقليد.
وقد رأيت أن لا أثقل الكتاب بالهوامش والحواشي، فاقتصرت على توثيق المعلومات التي لا يتكرر وجودها في كتب التخصص، أو التي فيها شيء من الغرابة.
وفي تخريج الأحاديث اقتصرت على عزو الحديث لمن خرَّجه في الصلب، وإذا خُرّج في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت به.
واللهَ أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم.
والحمد لله أولا وآخرا. وصلى الله وسلم على رسوله وآله وصحبه أجمعين.
عياض السلمي
الرياض ١/ ١/١٤٢٦هـ
1 / 4
التمهيد
التعريف بأصول الفقه
١ - نشأة أصول الفقه:
أصول الفقه ككثير من العلوم الإسلامية لم يأخذ شكله النهائي الذي يميزه عن سائر علوم الشريعة إلا في آخر القرن الثاني، أما في العهد النبوي وعهد الصحابة وأوائل عهد التابعين فلم يكن أصول الفقه علما مستقلا متميزا عن غيره من علوم الشريعة، ولكن قواعده العامة كانت موجودة منذ عهد رسول الله ﷺ، فالأدلة الشرعية التي هي موضوع هذا العلم الرئيس كانت معروفة، والاستدلال بالكتاب والسنة والقياس كان حاصلا في عهد رسول الله ﷺ، ودلالة الكتاب والسنة كانت معروفة للصحابة - رضوان الله عليهم - بحكم معرفتهم بلغة العرب التي نزل بها القرآن وتكلم بها الرسول ﷺ، فهم أمراء الفصاحة والبيان، وأعرف الناس بمعاني اللغة من حقيقة ومجاز، وإطلاق وتقييد، وعموم وخصوص، ومنطوق ومفهوم، ولم يكونوا بحاجة إلى أن توضع لهم قواعد تبين طرق الدلالات.
وهم بالإضافة إلى ما سبق قد عرفوا أسباب النزول، والظروف التي قيلت فيها الأحاديث القولية، وشهدوا الحوادث التي قضى فيها الرسول ﷺ بقضاء أو سنَّ فيها سنة، فأغناهم ذلك عن كثير مما احتاج إليه المتأخرون، وكانوا يجمعون إلى ذلك سلامة النية وحسن القصد في طلب الحق من غير هوى ولا تعصب.
كان الصحابة ﵃ يفزعون إلى الرسول ﷺ فيما يعرض لهم من الحوادث،
1 / 5
فإن كان الحكم قد أوحي إليه به أفتاهم وأرشدهم، سواء أكان الوحي متلوًا أم غير متلو، وإن لم ينزل عليه في ذلك وحي صريح نظر فيما أوحي إليه، فإن ظهر له حكم المسألة أخبرهم به وإلا انتظر الوحي الذي لا يلبث أن يأتيه عن قرب بحكم ما أشكل عليه.
سئل رسول الله ﷺ عن الصدقة بالحمر الأهلية، فقال: «ما أُنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٧ - ٨]» (متفق عليه).
فهذا استدلال من الرسول ﷺ بعموم الكتاب على مسألة جزئية، ومثله إنكاره على أبي بن كعب ﵁ تأخره عن إجابة ندائه لاشتغاله بالصلاة، واستدلاله عليه بعموم قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال ٢٤] (أخرجه أحمد والترمذي)، ومثل هذه القصة ما حصل لأبي سعيد بن المعلى ﵁ (أخرجه البخاري).
ومن اجتهاداته فيما لم يرد فيه نص بخصوصه ولا بعمومه اجتهاده في أخذ الفداء من أسرى بدر، وعقد الصلح مع أهل مكة عام الحديبية، وسيأتي لهذا مزيد بيان في باب الاجتهاد إن شاء الله تعالى.
وأما الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة رسول الله ﷺ فكانوا يجتهدون في فهم النصوص من الكتاب والسنة، ويسأل بعضهم بعضا فيما خفي عليه، ويقيسون المسائل بما يشبهها، ولم يكونوا بحاجة إلى وضع قواعد تضبط استدلالهم مع حضور تلك القواعد في أذهان المجتهدين منهم، وكذلك كان الحال في عهد كبار التابعين مع ظهور التفاضل بينهم في العلم والفتوى.
وفي أواخر عهد التابعين بدأت المدارس الفقهية تظهر قدرا أكبر من التمايز
1 / 6
والاختلاف، فبرز في العراق ما سمي أخيرا بمدرسة أهل الرأي، وبرز في المدينة ما عرف بمدرسة أهل الحديث (١). وكان طلاب الفتوى يترددون بين علماء هذا الاتجاه أو ذاك، وربما سأل بعضهم في النازلة أكثر من عالم من غير أن ينكر هؤلاء أو أولئك على عوام الناس سؤالهم لمن يثقون به.
وكان في كل بلد من حواضر الإسلام علماء يرجع إليهم الناس في الفتيا والقضاء، ولهؤلاء العلماء طلاب تأثروا بمنهجهم واقتفوا آثارهم وربما التقى العلماء فتناظروا وأدلى كل منهم بحجته، فإما أن يرجع أحدهم إلى قول صاحبه أو يبقى على رأيه لقناعته بصحته لا حبا في الخلاف، وربما التقى الطلاب فتفاخر كل منهم بأستاذه ومعلمه.
وفي هذه الأثناء بدأ التعصب لرأي الشيخ والإعجاب به يطغى على الإنصاف عند بعض الطلاب، ولم تكن هناك قواعد يرجع إليها لوزن الآراء ومعرفة الراجح منها والمرجوح.
وفي هذا الوقت كثر اختلاط العجم بالعرب، وضعف اللسان العربي، ودخل الوضع في الحديث لنصرة مذهب سياسي أو لتأييد رأي، وتصدر للرواية من لم يكن أهلا، واحتاج القرآن إلى تفسير وإيضاح، واحتاجت السنة إلى تمييز الصحيح منها عن الضعيف.
ولذلك كله شرع الإمام الشافعي ﵀ في وضع قواعد تضبط الاستدلال، وتبين ما يصلح دليلا وما لا يصلح، وتبين عمل الفقيه عند تعارض الأدلة عنده، وتؤسس قواعد الفهم لنصوص الكتاب والسنة، فكتب الرسالة، وجعلها بمثابة مقدمة لكتاب الأم، فتلقاها أكثر الناس بالقبول وأعجبوا بها
_________
(١) في معالم السنن: انقسام أهل الزمان إلى أهل حديث وأثر، وأهل فقه ونظر.
1 / 7
حتى قال الإمام أحمد: «ما أحد من أصحاب الحديث حمل محبرة إلا وللشافعي عليه مِنَّة، فقلنا: يا أبا محمد كيف ذلك؟ قال: إن أصحاب الرأي كانوا يهزأون بأصحاب الحديث حتى علمهم الشافعي وأقام عليهم الحجة» (١). ولم يكن كتاب الرسالة هو كل ما كتبه الشافعي في أصول الفقه، بل كتب كتبا أخرى لكنها لم تكن في شمول الرسالة ولا في تمحضها لمسائل هذا العلم، ومن تلك الكتب اختلاف الحديث، وإبطال الاستحسان، وجماع العلم، وكتاب أحكام القرآن (٢).
وبعد الإمام الشافعي تتابع التأليف في هذا العلم فكتب الإمام أحمد بن حنبل كتاب طاعة الرسول ﷺ، وكتب داود الظاهري: الإجماع، وإبطال التقليد، وخبر الواحد، والخصوص والعموم، وكتب عيسى بن أبان كتابا في خبر الواحد، وكتب الكرخي رسالة في أصول الفقه طبعت مع كتاب تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي وهي تقع في ورقات قليلة أشبه بقواعد فقهية لعلماء الحنفية، ومن أقدم كتب الحنفية الموجودة: الفصول، لأبي بكر الجصاص، وهو مطبوع محقق.
وكان القرنان الخامس والسادس هما عصر ازدهار التأليف في أصول الفقه، حيث ظهرت فيهما أهم كتب أصول الفقه مثل العمد للقاضي عبد الجبار، والمعتمد لأبي الحسين البصري، واللمع، والتبصرة كلاهما لأبي إسحاق الشيرازي، والعدة للقاضي أبي يعلى، والمستصفى، والمنخول، وشفاء الغليل للغزالي، والواضح لابن عقيل، والتمهيد لأبي الخطاب الكلوذاني، وأصول السرخسي، وأصول البزدوي، وإحكام الفصول، والإشارة، لأبي الوليد الباجي.
_________
(١) الانتقاء لابن عبد البر ص ٨٦.
(٢) البحر المحيط ١/ ٧.
1 / 8
وفي أواخر القرن السادس وما بعده انتشرت المختصرات والشروح، فأما المختصرات فكان القصد منها الحفظ وجمع أكبر قدر من المسائل الأصولية في كتاب صغير يمكن حفظه. وأما الشروح فكان القصد منها حل ما في المختصرات من إشكال، وتفصيل ما فيها من إجمال، وتقريب المسائل بضرب الأمثلة وبيان الراجح من الأقوال بذكر الأدلة.
وفي العصر الحديث ضعفت همم الناس عن حفظ المختصرات، وقصرت أفهامهم عن إدراك ما فيها من المبهمات، ولم يجدوا من الوقت ما يقضونه في دراسة المطولات، من الشروح والمؤلفات، فاحتاجوا إلى نوع جديد من المؤلفات، يكون سهل العبارة محصلا للمقصود من أصول الفقه بأيسر طريق.
ولما كان أصول الفقه من علوم الآلة لا من العلوم التي تقصد لذاتها وإنما للتوصل إلى الفقه في الدين ومعرفة الحلال من الحرام بطريق يطمئن إليها العالم ويقتنع بها طالب العلم، لم أر بأسًا من الإسهام في إعادة صياغة هذا العلم بأسلوب ميسر، مع المحافظة على أسسه وقواعده، ومحاولة التقريب بينه وبين الفقه، ليمتزج العلمان فتؤخذ الثمرة من المثمِر طرية يانعة.
وما يتخوّف منه بعض الغيورين من ابتعاد الناس عن كتب التراث وجهلهم بلغتها وأسلوبها إن هم اكتفوا بتلك المؤلفات الحديثة، لا أرى له ما يؤيده من النقل ولا من العقل؛ فإن النقل إنما جاء بالأمر بالتفقه في الدين ومعرفة حكم الله جل وعلا بالطريق الصحيح والعمل به: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة ١٢٢] «رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها»، ولم يتعبدنا الله جل وعلا بقراءة كتاب غير كتابه ولا بحفظ كلام سوى كلامه، ولم يتعبدنا الله بالاجتهاد في فهم معميات المختصرات، ولا بالاجتهاد في منطوق
1 / 9
كلام أحد من خلقه ومفهومه إلا كلام رسوله ﷺ الذي هو حجة يجب تأملها والنظر فيها وفق ما تقرر من قواعد الفهم والاستدلال.
وأما العقل فإنه يقتضي ضرورة البحث عن الحق بأيسر وسيلة وأقربها، وأن لا يضيع الإنسان عمره في سلوك الدروب المتعرجة مع تمكنه من الوصول إلى الغاية بالطريق المستقيم.
وليس معنى هذا الكلام الدعوة إلى ترك كتب المتقدمين والاكتفاء عنها بكتب المتأخرين، وإنما المقصود أن لا يظن من لم يسعفه ذهنه بإدراك كتب المتقدمين أن الطريق أمامه موصدة فيرضى بمرتبة التقليد، بل عليه أن يعرف مما كتبه المحدثون ما يمكنه من الاختيار والترجيح، ويعينه على معرفة القول الباطل من الصحيح.
٢ - تعريف أصول الفقه:
لا أظن أن هذا العلم بعد اشتهاره وكثرة المؤلفات فيه بحاجة إلى تعريف، فهو أشهر من أن يعرف، ولكن العادة جرت بأن كل من كتب في أصول الفقه يذكر تعريفه، إما لأن هذا العلم متداخل مع علوم شتى من علوم الشريعة مثل الفقه والحديث والتفسير، ومتداخل مع علوم اللغة كعلم المعاني والبيان والنحو، وإما لأن الذين كتبوا في هذا العلم من المتقدمين اعتادوا أن يذكروا تعريفه لأنه لم يتميز في عهدهم تميزا كاملا عن غيره من العلوم ثم جاء من بعدهم فقلدهم، وإما لأنهم تأثروا بما يقوله أهل المنطق من أنه يجب على كل من درس علما أن يعرف تعريفه وموضوعه وغايته، ثم يشرع في تعلم مسائله.
وإرضاء لرغبة عامة طلاب العلم أذكر التعريف المختار لهذا العلم بالنظر إلى كونه مركبًا إضافيًا، وبالنظر إلى كونه عَلَمًا على عِلم مخصوص من علوم الشريعة.
1 / 10
أـ ... تعريف أصول الفقه بالنظر الأول:
أصول الفقه مركب من مضاف ومضاف إليه، وتعريفه يقتضي معرفة جزءيه، والمضاف إليه آصل من المضاف، فينبغي أن نعرفه أولا ثم نعرف المضاف.
تعريف الفقه:
الفقه في اللغة: الفهم، أو هو معرفة باطن الشيء والوصول إلى أعماقه، كما يقول الراغب الأصفهاني في المفردات، أو هو فهم الأشياء الدقيقة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء٤٤] ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾ [هود٩١].
وفي الاصطلاح: «العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية».
شرح التعريف:
قولهم: (العلم): جنس، يشمل العلم بالأحكام الشرعية وبغيرها من التصورات والأحكام. والمراد به هنا مطلق الإدراك الشامل للظن واليقين. وليس المراد به الإدراك القطعي اليقيني؛ لأن كثيرا من مسائل الفقه ظنية، بل إن من العلماء من خص الفقه بمعرفة المسائل الاجتهادية ولم يجعل المسائل الظاهرة التي يشترك في معرفتها العامة والخاصة من الفقه. أو يقال: المراد بالعلم مجموعة المعارف المندرجة تحت هدف كلي واحد، كما يقال: علم الطب، وعلم الفلك، مع أن كثيرا من قضاياهما ظني. وهذا أولى من جواب الرازي الذي زعم فيه أن الفقه ليس من باب الظنون؛ لأنه مبني على مقدمتين قطعيتين فيكون قطعيًا.
1 / 11
وهاتان المقدمتان هما:
١ - مقدمة وجدانية، وهي ما يجده المجتهد في نفسه من الظن بأن هذا حكم الله.
٢ - مقدمة إجماعية، وهي الإجماع على أن ما هذا شأنه يجب العمل به.
وإنما قلت: إن هذا أولى؛ لما في جواب الرازي من التكلف.
وقولهم: (بالأحكام): قيد أخرج العلم بما لا حكم فيه وهو التصور. والحكم يراد به هنا: إثبات أمر لآخر أو نفيه عنه.
وقولهم: (الشرعية): أخرج العلم بالأحكام غير الشرعية كالحكم بصحة العبارة لغة أو بخطئها، وكالعلم بنفع هذا الدواء للمريض وضرره، فالأول حكم لغوي، والثاني طبي.
وقولهم: (العملية) أي: المتعلقة بما يصدر عن الناس من أعمال كالصلاة والزكاة والصوم والبيع، وهذا القيد يخرج الأحكام الاعتقادية، فإن العلم بها لا يسمى فقها في الاصطلاح؛ لاختصاص الفقه بالعلم بالأحكام العملية، وهذا لا ينفي أنهم كانوا يطلقون اسم الفقه الأكبر على مسائل الاعتقاد، ولكن هذا العلم اختص باسم آخر وهو علم التوحيد أو علم الكلام.
وقولهم: (المكتسب): صفة للعلم، والعلم المكتسب هو الحادث الذي يحصل باجتهاد وعمل، فيخرج علم الله جل وعلا فإنه أزلي، وعلم جبريل ﵇ فإنه حصل بإعلام الله له ولا كسب له فيه، وعلم الرسول ﷺ بما أوحي إليه فإنه علم لدُنِّيٌّ فلا يسمى فقها في الاصطلاح، وأما ما حصل باجتهاد من الرسول ﷺ فيدخل في مسمى الفقه.
وقولهم: (من أدلتها التفصيلية)، متعلق بقولهم المكتسب، فالأدلة هي وسيلة اكتساب هذا العلم، وهذا يخرج علم المقلد فإنه ليس مكتسبا من الأدلة بل
1 / 12
اكتسبه بتقليد غيره.
والأدلة التفصيلية: هي الأدلة الجزئية الخاصة بكل مسألة فقهية، مثل آية: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة ٣] الدالة على تحريم كل أجزاء الميتة. وحديث: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» (أخرجه أحمد وأصحاب السنن من حديث ابن عباس مرفوعا، ومعناه في صحيح مسلم) الدال على طهارة جلد الميتة بالدبغ، وقياس الخنزير على الكلب في وجوب غسل الإناء من سؤره سبعا، وهكذا سائر الأدلة التفصيلية.
ومع أن كلمة الفقه لم تكن تطلق في الاصطلاح الأول إلا على الأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية بنوع من الاجتهاد، غير أن المتأخرين أصبحوا يطلقون هذه الكلمة على جميع الأحكام العملية التي تحويها كتب الفقه المصنفة مع أن فيها ما يشترك في معرفته الخاص والعام من المسلمين؛ لدلالة النصوص القطعية المشتهرة عليه، فيكون الفقه اسما لمجموع تلك المسائل لا للعلم بها أو ببعضها.
وتأسيسًا على ما سبق أصبح اسم الفقيه يطلق على من عرف تلك الأحكام، سواء عرفها بنظر واجتهاد، أو عرفها تقليدا لإمام من الأئمة.
ولو راعينا المعنى المراد من كلمة الفقه في عرف القرآن والسنة وعرف الصحابة والتابعين، لقصرنا اسم الفقيه على من عرف الأحكام الشرعية التي تحتاج في إدراكها إلى نظر واجتهاد دون ما يشترك فيه عامة المسلمين، وكانت معرفته مبنية على إدراك أدلتها لا تقليدًا لغيره، ولم نفرق بين الأحكام الاعتقادية والعملية.
وهاهنا سؤال أورده الآمدي وغيره، خلاصته: أن الفقه إذا كان هو العلم بالأحكام الخ، فينبغي أن لا يسمى فقيها إلا من علم تلك الأحكام كلها، وهذا
1 / 13
لا يجتمع لواحد بعد رسول الله ﷺ، وقد ثبت عن العلماء توقفهم في بعض المسائل ولم يمنع ذلك من إطلاق وصف الفقه عليهم، ولم يخرجوا من الفقهاء لتوقفهم.
والجواب عنه: أن المراد بالعلم بتلك الأحكام ليس حضورها في ذهن العالم بالفعل، وإنما حضور أكثرها في ذهنه، وقدرته على استنباط بعضها بعد النظر والاجتهاد، فيكون علمه لبعضها بالفعل وللباقي بالقوة القريبة بحيث يستطيع معرفتها دون حاجة إلى تعلم علم جديد.
تعريف الأصول:
الأصول: جمع أصل، وهو في اللغة: ما يبنى عليه غيره. ويطلق على منشأ الشيء.
وفي الاصطلاح: أطلق لفظ الأصل على عدة معان، أهمها ما يلي:
١ - الدليل: كما يقول الفقهاء: الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنة والإجماع، أي: الدليل عليها.
٢ - القاعدة المستمرة: كما يقول الأصوليون: الأصل أن الخاص مقدم على العام عند التعارض، وكما يقول النحاة: الأصل في المبتدأ التقديم وفي الخبر التأخير.
٣ - الراجح: كما يقول الأصوليون: الأصل بقاء ما كان على ما كان. والأصل براءة الذمة من التكاليف الشرعية.
٤ - مخرج المسألة الفرضية، أي: العدد الذي تخرج منه الفروض المقدرة بلا كسر، كما يقول الفرضيون: أصل هذه المسألة كذا، وأصول المسائل ٢، ٣، ٤، ٦، ٨، ١٢، ١٨، ٢٤.
1 / 14
٥ - المقيس عليه، كما يقول الأصوليون في باب القياس: أركان القياس أربعة: الأصل، والفرع، والعلة، والحكم.
وأقرب هذه المعاني لإطلاق الأصل هنا هو المعنى الأول ثم الثاني.
ب - ... تعريف أصول الفقه باعتباره علَمًا:
وأما أصول الفقه الذي هو علَم على علم من علوم الشريعة فهو: كما عرفه الرازي: «مجموع طرق الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد».
شرح التعريف:
قوله: (مجموع طرق الفقه) أي: مجموع الطرق التي توصل إلى إدراك الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية.
وعبَّر بالطرق دون الأدلة؛ لأن الأدلة عند كثير من العلماء لا تشمل ما يفيد الظن مثل القياس والاستصلاح ونحوهما من الطرق التي جعلها الفقهاء أمارات على الأحكام، وإنما تطلق على النصوص القطعية والإجماع القطعي فحسب.
قوله: (الإجمالية): نسبة إلى الإجمال وهو ضد التفصيل، وعبر بالإجمالية ليخرج طرق الفقه التفصيلية التي يعد الاشتغال بها من عمل الفقيه كما أسلفنا.
وبحث الأصولي لا يتعلق بآية من القرآن بخصوصها كيف تدل على ما دلت عليه من الأحكام، ولا حديث بعينه، ولا قياس بعينه، وإنما يبحث في حجية الكتاب وحجية السنة وحجية القياس، وهكذا. فهو يبحث في عوارض تلك الأدلة وما توصف به من قوة أو ضعف وإحكام أو نسخ، وفي شروطها وترتيبها وكيفية الجمع بينها عند تعارضها في نظر من لم يتأملها جيدا.
1 / 15
قوله: (وكيفية الاستفادة منها) أي: طرق استفادة الأحكام من الأدلة والأمارات الموصلة إليها، وهذا يشمل طرق الدلالة اللفظية والعقلية، وطرق نصب الدليل الذي يوصل إلى معرفة الحكم الشرعي، سواء أكان الدليل نصًّا من قرآن أو سنة ونحوهما أم معقولا من النص كالقياس والاستصلاح وغيرهما، وهذا يدخل ما ذكره الأصوليون في دلالات الألفاظ من العام والخاص والمطلق والمقيد، والأمر والنهي، والمنطوق والمفهوم، كما يُدخل طرق معرفة العلة المستنبطة ونحو ذلك مما لا يخفى.
قوله: (وحال المستفيد) أي: وكيفية حال المستفيد، والمراد بالمستفيد صنفان: المجتهد والمقلد، فالمجتهد يستفيد الحكم من الدليل أو الأمارة التي نصبها الشرع لتهدي إلى الحكم. والمقلد يستفيد الحكم من المجتهد بسؤاله عنه.
وحال المجتهد والمقلد مما يدخل في أصول الفقه، فالعلم بشروط الاجتهاد وحكمه، وأنواع المجتهدين وآداب الاجتهاد وحكم التقليد وآداب الاستفتاء، وما يتبع ذلك كله داخل في أصول الفقه.
وهذا التعريف من أجود التعريفات التي ذكرها الأصوليون، غير أنه عبر بلفظ الكيفية، وهي مصدر صناعي من الكيف، وليست فصيحة كما يقول أهل اللغة، والأولى أن يستعاض عنها بلفظ صفة.
كما أنه يمكن الاستعاضة عن قوله: «طرق الفقه» بـ «أدلة الفقه»؛ لأن الدليل يطلق على القطعي والظني على الصحيح من قولي العلماء كما سيأتي.
وهناك من جعل أصول الفقه هو العلم بتلك الأدلة على سبيل الإجمال وكيفية الاستدلال بها. الخ.
والأصولي: هو من عرف طرق الفقه الإجمالية وصفة الاستفادة منها وحال المستفيد.
1 / 16
وقد شاع إطلاق اسم الأصولي على كل من له اشتغال بعلم أصول الفقه تعليما وتأليفا، كما شاع إطلاق أصول الفقه على الجملة الغالبة من مسائل هذا العلم، فصح أن يسمى أصوليا من أدرك غالب مسائله بالفعل وكانت له ملكة تمكنه من إدراك ما عداها دون حاجة إلى تعلم علم جديد أو التلقي عن عالم آخر.
٣ - موضوع أصول الفقه:
موضوع هذا العلم: الأدلة، سواء أكانت قطعية أم ظنية.
وقيل: موضوعه: الأدلة والأحكام.
والذي يظهر من تعريف الفخر الرازي الذي نقلناه فيما سبق، أن هذا العلم له ثلاثة موضوعات رئيسة هي:
١ - طرق الفقه على سبيل الإجمال، ويقصد بها الأدلة بنوعيها القطعي والظني، أو المتفق عليه والمختلف فيه، والبحث فيها يشمل حجيتها وقوتها في الإيصال إلى الحكم، وشروط حجيتها وترتيبها وجميع عوارضها.
٢ - صفة الاستفادة منها، وهذا يشمل طرق الدلالة أهي عقلية أم لفظية؟ حقيقية أم مجازية؟ بطريق المنطوق أم المفهوم؟ بطريق الخصوص أم العموم؟. وهذا يعرف عند المتأخرين بطرق الاستنباط، كما يشمل طرف معرفة العلة وإجراء الأقيسة.
٣ - صفة المجتهد والمقلد وما يتبع ذلك من شروط الاجتهاد وأحكامه، وسبيل دفع التعارض والمرجحات، ومعنى التقليد وأحكامه.
1 / 17
٤ - فوائد علم أصول الفقه:
لا شك أن العلم يشرف بشرف الغاية من تعلمه، وأصول الفقه له غايات عظيمة وفوائد كبيرة في الدنيا والآخرة، وأهم غاياته وأهدافه ما يلي:
١ - التفقه في الدين، ومعرفة ما للمكلف وما عليه من الحقوق والواجبات، وهذا يحصل بمعرفة أصول الفقه وتطبيق قواعده على الأدلة التفصيلية وعلى الحوادث الجزئية.
وقد يقول قائل إن الفقه قد جمع من قبل العلماء السابقين، ودونت فيه الدواوين الكبيرة فلا حاجة إلى البدء من حيث بدأوا، فلم تبق حاجة لدراسة علم أصول الفقه.
والجواب أن كثرة ما كتب في علم الفقه يدعو طالب العلم إلى تعلم أصول الفقه؛ ليعرض هذه الثروة الفقهية الضخمة التي اختلفت فيها أقوال الفقهاء وتعددت أدلتهم على الميزان العادل، والمحك المظهر للخطأ من الصواب، وهو أصول الفقه، فمن عرف أصول الفقه نظرا وتطبيقا يمكنه أن يعرف من تلك الأقوال والمذاهب ما هو أقرب إلى الحق وأجرى على قواعد الشريعة. والخلاصة أن كثرة المؤلفات الفقهية تدعو إلى تعلم هذا العلم والتعمق فيه لنقد الأقوال وبيان الراجح من المرجوح.
٢ - معرفة الحكم الشرعي لكل ما يجدُّ من الحوادث والوقائع التي لم يرد فيها بخصوصها نص صريح ولا ظاهر بيِّن، ولم يتكلم عنها الفقهاء السابقون لعدم وجودها في عصرهم. ونحن نرى في هذه الأيام حجم المسائل التي تعرض على المجامع الفقهية من حيث عددها ومن حيث خطورتها وأهميتها وتعقيدها، حتى إن بعضها يتوقف فيه علماء المجمع الفقهي ولا يصدرون فيه فتوى لعدم اكتمال صورته في أذهانهم، أو للحاجة إلى مزيد بحث في
1 / 18
الأدلة، أو للاختلاف في تكييفه.
ومن القضايا التي جدت في هذا العصر على غير مثال سابق: التلقيح الصناعي، وأطفال الأنابيب، والرحم المستعار، وتجميد الأجنة والبويضات، والاستنساخ، وقضايا الحاسوب وبرامجه، وقضايا الانترنت، وإجراء العقود عن طريقه، والقضايا السياسية وكيفية حلها كالقضايا الحدودية بين الدول وما أشبه ذلك.
٣ - معرفة حِكَم الشريعة وأسرارها بالتأمل في علل الأحكام ومقاصدها ومعرفة المقاصد الشرعية الضرورية والحاجية والتحسينية، وتنزيل كل مقصد في منزلته عند التزاحم، ومعرفة ترتيب الواجبات والمستحبات لتقديم الأقوى دليلا والأكثر نفعا على ما سواه، ومعرفة المصالح والمفاسد ومعرفة المعتبر منها في الشرع والملغى، ومعرفة درجات المعتبر لتقديم ما يستحق التقديم.
٤ - مواجهة خصوم الشريعة الإسلامية الذين يزعمون أن الشريعة لم تعد صالحة للتطبيق في هذا الزمن، وذلك ببيان قدرة الشريعة على استيعاب حاجات الناس في الحاضر والمستقبل، وقدرتها على حل مشاكل الناس بما يتفق مع نصوص الوحي وعمل الصحابة والتابعين، وهذا لا يتم إلا بمعرفة أصول الفقه والقدرة على القياس والتخريج، والإحاطة بطرق الاستنباط من منطوق ومفهوم، وخصوص وعموم، وإطلاق وتقييد ونحو ذلك مما يدرس في أصول الفقه، ولو انصرف الناس عن دراسة هذا العلم لانسد باب الاجتهاد، ووقف الناس عندما اشتملت عليه كتب الفقه القديمة التي كتبت لتستوعب مشاكل العصر الذي هي فيه.
٥ - حماية الفقيه من التناقض، فالفقيه الذي لم يتعمق في دراسة هذا العلم تأتي فتاواه متناقضة فيفرق بين المتماثلات، ويسوي بين المختلفات، وهذا
1 / 19
يضعف الثقة فيما يقول، ويسيء إلى الشريعة ويقلل من قيمتها في نفوس الجاهلين بها من المسلمين أو غيرهم. وأما من أحاط بأصول الفقه تأصيلا وتطبيقا فإنه يبرز الوجه المشرق للشريعة الربانية، ويكون بفتاواه وآرائه داعيا للإسلام مرغبا فيه ذابا عنه شبه الأعداء.
وأخيرًا ربما يظن كثير من الناس أن أصول الفقه تقتصر فائدته على الفقه في المسائل العملية، والحق خلاف ذلك؛ فإن فائدة هذا العلم لا يستغني عنها المفسر والمحدث والمتكلم والباحث في العقائد، وكل من يحتاج إلى فهم نصوص الوحي والاستدلال بها، فإن هذا العلم عبارة عن قواعد للفهم الصحيح والاستدلال الصحيح، والجمع بين ما ظاهره التعارض، ولهذا نستطيع القول إن تسميته بأصول الفقه لا يعني اقتصار فائدته على استنباط الأحكام الفقهية، ولعل الذين سموا مؤلفاتهم بالأصول من غير تقييد بالفقه لحظوا هذا الملحظ فعمموا، ومن هؤلاء الغزالي الذي سمى كتابه: «المستصفى من علم الأصول» والرازي سمى كتابه: «المحصول من علم الأصول» والبيضاوي سماه: «منهاج الأصول في علم الأصول» والشوكاني سماه: «إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول».
والناظر في مسائل هذا العلم يجد كلامهم عن أصول التفسير وأصول الحديث إلى جانب طرق الاستنباط من الأدلة النقلية التي يستوي في الحاجة إليها المفسر والمحدث وغيرهما.
1 / 20
٥ - استمداد أصول الفقه:
يستمد علم أصول الفقه مادته مما يلي:
١ - القرآن الكريم والسنة النبوية:
فإن هذين المصدرين هما أساس العلوم الشرعية كلها، فكل علم لا أصل له في الكتاب والسنة فليس من علوم الشريعة.
ووجه استمداده من هذين المصدرين أن موضوعات علم أصول الفقه ثلاثة أنواع كما سبق، أهمها أدلة الأحكام، والقرآن والسنة ترجع إليهما جميع الأدلة التي يذكرها الأصوليون سواء أكانت نقلية أم عقلية، محل اتفاق أم محل اختلاف، فحجية الإجماع والقياس والمصالح والاستحسان والعرف وشرع من قبلنا وأقوال الصحابة، راجعة إلى الكتاب والسنة، وطرق الدلالة، وطرق دفع التعارض بين الأدلة، وبيان منزلة كل دليل، راجع إلى الكتاب والسنة، ولهذا نجد أن أكثر القواعد الأصولية قد استدل عليها بالقرآن أو بالسنة أو بهما معًا.
٢ - علم أصول الدين، ويعبر عنه أكثرهم بعلم الكلام:
ووجه استمداد أصول الفقه منه أن العلم بالأدلة الإجمالية وصحة الاستدلال بها مبني على معرفة الله تعالى وصفاته وما يجب له سبحانه وما يجوز له وما يمتنع إطلاقه عليه، والعلم بصدق الرسول ﷺ فيما جاء به عن ربه وما يجوز أن يقع من الرسول ﷺ وما لا يجوز.
٣ ـ اللغة العربية:
ووجه استمداده من اللغة العربية: أن اللغة هي وعاء الكتاب والسنة، والكتاب نزل بلغة العرب، والسنة القولية جاءت بلسان الرسول العربي، والاستدلال بهما مبني على معرفة طرق العرب في الإفهام والفهم، ومن جملة
1 / 21