الثاني يكون خصوصا للأول فيكون الفصل الثاني وإذا فصل لم يكن خصوصا بل صار معارضا فيكون الفص بينهما وهذا فرع لما مر أن العموم عندنا مثل الخصوص في ايجاب الحكم قطعا ولو احتمل الخصوص متراخيا لما اوجب الحكم قطعا مثل العام الذي لحق الخصوص وعنده هما سواء ولا يوجب واحد منهما الحكم قطعا بخلاف الخصوص الذي مر وليس هذا باختلاف في حكم البيان بل ما كان بيانا محضا صح القول فيه بالتراخي لأن البيان المحض من شرطه محل موصوف بالاجمال والاشتراك ولا يجب العمل مع الاجمال والاشتراك فيحسن القول بتراخي البيان ليكون الابتلاء بالعقد مرة بالفعل مع ذلك أخرى وهذا مجمع عليه وما ليس ببيان خالص محض لكنه تغييرا وتبديل ويحتمل القول بالتراخي بالإجماع على ما نبين إن شاء الله تعالى وانما الاختلاف أن خصوص دليل العموم بيان أو تغيير فعندنا هو تغيير من القطع إلى الاحتمال فيفيد بالوصل مثل الشرط والاستثناء وعنده ليس بتغير لما قلنا هو تقرير فصح موصولا ومفصولا إلا ترى انه يبقى على اصله في الايجاب وقد استدل في هذا الباب بنصوص احتجنا إلى بيان تأويلها منها أن بيان بقرة بني اسرئيل وقع متراخيا وهذا عندنا تقييد المطلق وزيادة على النص فكان نسخا فصح متراخيا لما نبين في بابه إن شاء الله تعالى واحتج بقوله في قصة نوح عليه السلام فاسلك فيها من كل زوجين اثنين واهلك أن الاهل عام لحقه خصوص متراخ بقوله انه ليس من اهلك والجواب أن البيان كان متصلا به بقوله
﴿إلا من سبق عليه القول﴾
وذلك هو ما سبق من وعد اهلاك الكفار وكان ابنه منهم ولان الاهل لم يكن متنا ولا للابن لأن أهل الرسل من اتبعهم وامن بهم فيكون أهل ديانة لأهل نسبه إلا أن نوحا عليه السلام قال فيما حكى عنه أن بنى من اهلى لانه كان دعاه إلى الإيمان فلما انزل الله تعالى لاية الكبرى حسن ظنه به وامتد نحوه رجاؤه فبنى عليه سؤاله فلما وضح امره اعرض عنه وسلم للعذاب وهذا سايغ في معاملات الرسل عليهم السلام بناء على العلم البشري إلى أن ينزل الوحى كما قال الله تعالى
﴿وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه﴾
واحتج بقوله تعالى
﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾
ثم لحقه الخصوص بقوله
﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾
متراخيا عن الأول وهذا الاستدلال باطل عندنا لان صدر الاية لم يكن متنا ولا لعيسى والملائكة عليهم السلام لان كلمة ما لذوات غير العقلاء لكنهم كانوا متعنتين فزاد في البيان اعراضا عن تعنتهم
مخ ۲۱۱