spirits ، والتعامل مع كيانات الطبيعة الجامدة باعتبارها كيانات حية ، لكنني لوجه الحق، أخذت أميل إلى مذهب آخر يذهب إلى أن بداية التقديس والتأليه كانت تجاه الوالدين، وهو منطق يتسق مع طبيعة الأمور الواقعة الملاحظة. فالأقرب إلى حس الحدث البدائي ووجدانه هو الأم؛ فالأب كمصدر قوة وإرادة، ومصدر حماية ورعاية، ومصدر أمان وغذاء، ولا أتصور أن هذا الحدث البدائي يتجه للأرض أو القمر أو الشمس بمطالبه، قبل أن يتوجه بها إلى الوالدين، خاصة أن الأساطير القديمة قد اعتبرت هذه الكيانات الكونية، إما أنها أم كبرى تمثلوها في الأرض بداية، وإما أنها الأب الأول وتمثلوها في السماء عامة (فالأب فوق تمثله السماء، والأم تحت تمثلها الأرض)، ولم تزل أغلب الديانات تنادي ربها حتى اليوم بالأب الذي في السماء، ولم يزل ممثله على الأرض هو البابا؟ ويبدو أن هناك أحداثا وظروفا قد جدت، أدت إلى تلبيس ظواهر الطبيعة الظاهرة والمؤثرة في حياة الناس بالآباء أو الأمهات السالفين، ومن الطبيعي أن تختلف هذه الظواهر المؤثرة من مجتمع لآخر باختلاف البيئات، فتختلف رموز السالفين في ظواهر الطبيعة.
ويفسر الباحثون استمرار تقديس الأم أو الأب بعد موته، بأن الإنسان البدائي لم يكن لديه تفسير واضح لظاهرة الأحلام، التي كانت عالما هلاميا غامضا يحياه مختلطا بالعالم الحقيقي، كالطفل الذي لا يستطيع أن يفرق بين الحقيقة والمنام، كثيرا ما كان يرى السلف الراحل في حلمه حيا يعايشه ويفعل ويؤثر؛ مما أدى به إلى تصور أن هذا السلف لم يزل موجودا وإن كان مختفيا عنه، لكن أين؟ «وأين؟» هذه هي التي قادته بعد ذلك إلى تصوره حالا في حيوان أو زهرة أو شجرة، وهي المرحلة التي يسميها الباحثون بالمرحلة الطوطمية (وأصل كلمة طوطم من أوطوطيمان من العهد الكونكي، وتعني هو من قرابتي)، ثم تلا ذلك تجمع العشائر البدائية في قبائل، واتصال هذه القبائل بعضها ببعض وتكوين مجتمع أكبر، وفي هذه المرحلة الأكثر اتساعا ورحابة لم يعد ممكنا فرض روح السلف المعبود، الحالة في حيوان طوطمي مقدس لدى قبيلة أخرى تقدس طوطما آخر، لكن المنطقي أن يتم تمثيل هذا السلف في ظاهرة ترضي جميع الأطراف المتجاورة أو المتحدة، فارتفع العقل بسلفه المعبود عن التمثل في حيوان على الأرض إلى تمثله في مظهر كوني أكبر كالأرض أو السماء بأجرامها، ومن هنا يتضح لماذا تصور الإنسان معبوده على شبهه ومثاله، فهذا المعبود لم يكن سوى سلفه الغابر، وهنا بالضبط ما يهم موضوعنا.
فكما كان الإنسان يتعامل مع الإنسان، استمر هذا التعامل بعد أن رحل الأسلاف وحلوا في طواطم أو ظواهر طبيعية، أقصد ظاهرة المقايضة أو القرابين، فكان طبيعيا، أو يقوم الحدث البدائي بعد أن يدخل مرحلة الشباب بكسب رضا الأم والأب المسيطر، عن طريق التقرب إليه بما يجمع من نبات أو يقنص من حيوان، كسبا للرضى، وضمانا لاستمرار الحماية العشائرية، ويدعم هذا المذهب ما وجدته عند الآثاري كريمر في إشارته إلى اعتقادات السومريين أن الإنسان قد خلق من أجل عبادة الآلهة وخدمتها بتزويدها بالطعام والشراب للتفرغ لأعمالها الإلهية،
33
أو ما وجدته في تلك الترتيلة السومرية التي تقول:
عندما تزوجت الإلهات الأم
وعندما توزعت الإلهات الأم
بين السماء والأرض
وعندما ولدت الإلهات الأم
عند ذلك كتب العمل
ناپیژندل شوی مخ