3
والمرتفعات هي المذابح، والمحرقات تعني قربانا يذبح ثم يحرق، أو يقدم مباشرة طعمة لنيران الإله «البعل»، والبعل إله كنعاني يعني اسمه «السيد» ومع القرن الأول الميلادي، تمتد العقلية البشرية إلى حد نزول الإله من السماء، لتقدمه على الصليب فداء لخطايا البشر، كما تقرر العقيدة المسيحية.
وبينما اكتفى «قابيل» في قربانه بالنبات، نجد بعضنا اليوم يدشن بيته أو سيارته الجديدة بالدم، وفي الوقت نفسه نجده مقترا في قربانه بشدة، عندما يقول في أمثاله الدارجة: «ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع»! أي إن المسألة لم تكن أبدا صعودا دائما ولا هبوطا دائما، إنما كانت خليطا من هذا وذاك، وأحيانا جمع العصر الواحد كل أنواع القرابين تبعا لاختلاف الشعوب والأنظمة الاجتماعية، وتبعا لاختلاف العقول، وهذا ما ستجده واضحا في المراحل التاريخية العقائدية التالية. (3) القربان الحيواني
يعد القربان الحيواني أكثر أنواع القرابين شيوعا وقدما في التاريخ العقائدي، ويعترف أكثر من باحث بأنهم لا يعرفون - على وجه الدقة - السبب في التركيز الواضح على الخروف، في التقرب للإله المعبود منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا مع ملاحظة أن التيوس تأخذ المرتبة التالية بعد الخراف مباشرة في التعاسة وسوء الطالع، حيث تعد - بعد الخراف - أفضل القرابين.
ويبدو أن الخراف قد ظلت قربانا مفضلا حتى دونت أسفار الكتاب المقدس، ففي سفر التكوين نطالع: «وكان هابيل راعيا للغنم، وكان قايين - قابيل إسلاميا - عاملا في الأرض، وحدث من بعد أيام، أن قايين قدم من أثمار الأرض قربانا للرب، وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه ومن سمائها، فنظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر.»
4
ورغم أن الرب - حسب هذا النص - نظر إلى «هابيل» وقربانه، فإن هذا القربان لم يفد «هابيل» ويفتديه، بل على العكس تماما، فقد كلفه هذا القربان حياته، عندما استباح أخوه دمه، وفي السفر نفسه نجد النص التالي: «وحدث أن الله امتحن إبراهيم، فقال له: يا إبراهيم ... خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق، واذهب به إلى أرض المريا، وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك ... فأخذ إبراهيم حطب المحرقة ووضعه على إسحاق ابنه، وأخذ بيده النار والسكين ... ثم مد إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه، فناداه ملاك الرب من السماء وقال ... لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئا؛ لأني الآن علمت أنك خائف من الله، فلم تمسك ابنك وحيدك عني، فرفع إبراهيم عينيه ونظر، وإذا كبش وراءه ... فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن ابنه.»
5
وهذا إنما يعني وجود عادة التقرب إلى الآلهة بالضحايا البشرية، سواء في عهد «إبراهيم»، أم في القرن الرابع ق.م. عندما دون هذا السفر، رغم أن الشريعة السومرية قد شرعت إحلال الضأن محل الإنسان في التقرب للآلهة، وذلك قبل ثلاثة آلاف عام تقريبا من هذا التاريخ.
وقد كانت قصة هذا الفداء معروفة بين العرب قبل الإسلام؛ إذ «عبد المطلب بن هاشم» الأصل القرشي والعنصر العربي عموما إلى «إسماعيل بن إبراهيم» من جاريته «هاجر» المصرية، لكن الذبيح هنا كان «إسماعيل» وليس «إسحاق»، كما لو كان هناك تنافس قديم بين العرب أبناء «إسماعيل» وبين اليهود أبناء «إسحاق»: أيهما كان المذبوح (ولنلاحظ فخر النبي محمد
ناپیژندل شوی مخ