195

اوستوره او ميراث

الأسطورة والتراث

ژانرونه

وكان مؤسس إمبراطوريتهم يلبس ذلك التاج ذا القرنين علامة على تمثيله للإله على الأرض.

وربما كان مفهوما أن تقترن الشمس بالزرع والخصب لدورها الواضح في حياة الزرع ونضجه، وارتباط دورتها السنوية بدورة الزرع ما بين الخصب والجدب، أو بين الشتاء والصيف، لكن ربما لم يكن مفهوما لدينا دور القمر صاحب القرنين صاحبي الدور الأساسي في المعتقدات حول الخصب، لكن هذا الدور كان واضحا تماما لدى إنسان تلك العهود، الذي قدس الأرض كمفرز ومنتج للزرع واحتسبها أما كبرى لكل الأشياء، وقدس تبعا لذلك معنى الأمومة، مع ما ورثه من سيادة قديمة للأنثى في النظام الاجتماعي الأمومي، مع انبهاره الشديد أمام ظاهرة الولادة، وهو يرى الحياة تخرج من بطن الأنثى؛ لذلك، وإن انقطعت سيادة الأنثى على الأرض بالسيادة الذكرية، فإنها ظلت شوطا طويلا من الزمن تسود بين المعبودات الكبرى في كافة المجتمعات وبخاصة الزراعية، ومن أشهر سيدات السماء «إيزيس» أو «إيسة» المصرية، و«عشتار» الرافدية، و«عنات» الكنعانية، و«سيبل» الفريجية، و«استارته» الفينيقية، و«مريم» المسيحية ... إلخ. وربما لاحظنا تلك الحفرية التي احتفظت بها اللغة العربية للارتباط القديم بين القرنين والحياة والأنثى، فوصلت بين القرن والحياة في الكلمتين: قرن وقران، وما يستدعيه الميلاد من قران بين ذكر وأنثى، وبين تسمية الأنثى حواء، وتشارك الاسم مع الكلمة حياة، ثم لا ننسى حيا الأنثى أو فرجها مفرز الحياة.

وثمة ارتباط آخر ميثولوجي ولغوي بين الأنثى والحياة، فالمعلوم أن الإنسان الابتدائي كان يظن أن الحية خالدة؛ لأنها تجدد نفسها كل عام عندما يراها تسلخ ثوب الجلد القديم، ومن هنا أيضا ارتبطت الحية بالأنثيو وصبغت المرأة بطباع الحية، فكانت ذات قيمة مزدوجة، وحمل الثعبان معنى الحياة في اسم «حية» ثم في تراثنا الشعبي حتى اليوم: الحية المقتولة لا تموت موتا فعليا إلا عند ظهور القمر أو القرنين، ولا ننسى أن الحية كانت رمز إله الشمس المصري ورب الدولة الذي مثله «آمون» الكبش في الأرض والشمس في السماء. وكانت الحية حامية الملوكية، وهي لا شك من بقايا عهد سادت فيه الأنثى مانحة الحياة؛ لذلك كانت الأنثى أو رمزها «الحية» لا تموت إلا عند ظهور القمر، معبود السيادة الذكرية والبداوة المتدفقة على الأرض الزراعية، التي سيطرت في النهاية، عندما ساد البدو وقمرهم، حتى حولوا الشمس بدورها من أنثى إلى ذكر وألبسوها القرنين.

87

ثم لا تفوتنا البقرة ذات القرنين، ودورها المهم في دفن الحبوب في الحقل وتقليب التربة وحرثها، وروثها كمخصب طبيعي، والبقرة بالقلب اللغوي أو «الميتاتيز» هي «بركة» ومواليد ووفرة. أما الخروف أو «الحمل» - فلا شك - له في اللغة علاقة بالحمل والميلاد. أما دورة القمر الشهرية وتحولاته ما بين الظهور والاختفاء، فقد فطن القدماء إلى تناغم إيقاعها مع إيقاعات الدورة الشهرية للمرأة. وكان دم الحيض في ظنهم هو مصدر تكوين الجنين لاختفائه مع الحمل، فهو مصدر الحياة.

وهكذا تراكمت في الأساطير القديمة محصلة معرفية لخبرات الإنسان وتجاربه إبان صراعه مع الطبيعة، تحولت مع الزمن إلى رموز ومفاهيم يعنينا منها هنا ارتباط الخصب والخضرة والزرع والحياة عموما بالماء، وبالقمر والقرنين بحسبانهما الهلال، وبالخروف والثور وذوات القرون عموما، وبالمرأة والحية، ولعل مشهدية القمر الهائلة والجليلة، كمصدر خوف ومصدر خير، في الليالي المطيرة المرعدة المبرقة، والخير في المطر. وخوف هذا التجلي المبرق المرعد، جعل الإنسان يربط هذه الرموز أيضا بالنار، وقتما كانت الصواعق المصدر الوحيد للنار. كذلك اشتملت الصاعقة وربها ثنائية نقيضة، فالصاعقة ماء ونار أو جنة ونار. مع ملاحظة أن اكتشاف النار بقدح الزناد، وقدح الزناد عصا «ذكر» تدور في ملفاف «أنثى»، كان بداية الطريق الذي انتهى بتحول المجتمع البشري إلى التحضر ثم اكتشاف الكتابة. وبحلولها انتهى عصر سيادة الأم وساد الأب.

وقد مثل هذه الرموز مجموعة من الآلهة الذكرية - بعد سيادة الذكر - حلت كآلهة للخصب محل الأنثى الأصل في الخصب، وسلبت الإناث دورا لا يليق إلا بهن، ومن تلك الآلهة التي انتشرت في حوض المتوسط الشرقي «حداد» أو هدد إله الرعد والخصب في المناطق السورية. وعبده الآشوريون كإله برق ورعد باسم أدد، رمزوا له بالصاعقة والثور «للقرنين» - والهلال قرنان سماويان - وقد ترك له الآشوريون نقوشا عدة، وهو يمسك بيمناه فأسا (ولاحظ دور الفأس في الزرع) وبيسراه صاعقة (لاحظ ارتباط الصاعقة بالمطر)، ويقف فوق ثور (لاحظ الثور ذا القرنين) ويلبس تاجا بقرنين، وعندما كان يتجلى القمر في الليالي المرعدة المبرقة، ويتوالى ظهوره واختفاؤه وراء السحب الداكنة المظلمة مرة، والمضيئة النارية الصاعقة مرة أخرى، كانوا يطلقون عليه اسما آخر هو «رمان» وهو من الفعل «رمامو» أي يصرخ أو بالتحديد والتدقيق يزأر «كالأسد المغضب».

88

أما الفينيقيون فقد عبدوا «البعل» إله الرعد، وصفته القدسية «راكب الغيوم».

89

ناپیژندل شوی مخ