69
أما من ذهبوا إلى كونه نبيا، فقد استندوا إلى ما ورد بالآيات عن تمكين الله له في الأرض ومنحه الأسباب، والكلام معه «قلنا: يا ذا القرنين ...» وكله لا يجوز إلا مع نبي.
أما الحديث النبوي فيفصل في الأمر؛ حيث يقول المصطفى
صلى الله عليه وسلم : «لا أدري أكان ذو القرنين نبيا، أم لا.»
70
ومع القول الفصل للنبي محمد
صلى الله عليه وسلم
يجد الباحث لنفسه مساحة واسعة من الاجتهاد، وخاصة مع كثرة ما أسلفناه من آراء، وكانت نوعا من الاجتهاد، رغم أننا قد أوجزنا بالقدر الذي لا يخل، وأوفينا بما لا يمل، وراعينا الكثير من الحساسيات التي تفرضها الظروف، فتخطينا الكثير، وأبقينا الأهم من القليل، وبلونا أنفسنا بمشقة البحث فيا يستأهله الغرض ونبل المبتغى، والعقل من وراء القصد.
وهنا، يمكننا أن نقرر باطمئنان أن «ذا القرنين» لا يمكن - كما جاء عند الإخباريين - أن يكون أحد العبابيس، ولا الضحاكين، ولا ذوي الكرب، ولا الهمالين، ولا صعبا ومصعبا ... إلخ، لاعتبارات أشدها حسما، هو أنه لم يرد في التاريخ المدون ذكر لفاتح عظيم، طاف بين الخافقين، يحمل واحدا من هذه الأسماء، ولا جاء في التاريخ ذكر ليمني أو حميري، أو لقائد فزاري أو إيادي أو أزدي، جرد الجيوش والكتائب، واجتاح قلاع الدنيا وحصونها، كما ورد في قصة «ذي القرنين» القرآنية.
كما لا يمكن قبول ما قد يقال: إنه ربما كان أحد هؤلاء هو الفاتح «ذو القرنين »، وأن التاريخ المدون أهمله غفلة؛ لأنه كان سابقا على التدوين واكتشاف الكتابة؛ لأن هذا المذهب سيصطدم مباشرة مع أبسط المبادئ التي نعرفها في علوم الاجتماع والعمران، وتشكل ردا بدهيا يقول: وهل كان قبل التاريخ المدون دول ووحدات سياسية كبرى، يحتاج احتلالها إلى جيوش وقادة؟ خاصة مع المعلوم الثاني والبدهي بدوره، وهو أن الكتابة لم تبدأ إلا مع الاستقرار الاجتماعي، في وحدات سياسية مركزية إدارية كبرى، بعد قيام المجتمع المنظم، وقبلها لم يكن للإنسان شأن يزيد عن بقية الكائنات الابتدائية، وحتى بعض بسائط خبرات وأساطير البشر الأولى، وجدت طريقها إلى التدوين، بعد أن كانت تتوارث شفاهة من جيل إلى جيل، وليس فيها حسبما نعلم من علوم الميثولوجيا أي ذكر لملك أظل عرشه الأرض يحمل اسم الضحاك أو العباس، كما لا يمكننا في الوقت نفسه أن نأخذ مأخذ الجد العلمي، الحالة الوحيدة التي وقعت بأيدينا، وحاولت الكشف - بروح إيمانية عالية - عن «ذي القرنين»، في الملحمة الرافدية القديمة عن الملك الإله «جلجامش»، والتي دونها السومريون والبابليون من بعدهم، وعالج الباحث «محمد نجيب البهبيتي» في محاولته تلك، مصداقية القرآن الكريم، متناغمة بالتبادل مع الأحداث الأسطورية لملحمة «جلجامش»، بحسبانه «ذا القرنين»، وأنه فتح بلاد الدنيا، واكتشف أمريكا وأستراليا، ودار حول العالم، مع إرجاعه إلى أصول يمنية، وذلك في مجلدين يتسمان بالضخامة والجزالة والجهد، بعنوان «المعلقة العربية الأولى».
ناپیژندل شوی مخ